عريس الإسماعيلية والتربية

مى حمدى

مى حمدى

كاتب صحفي

تابعنا جميعا بأسف شديد واقعة عريس الإسماعيلية الذي أوسع عروسه ضربا في الشارع على مرأى ومسمع من الجميع الذين لم يحركوا ساكنا لحماية الفتاة المسكينة التي أخذت زينتها في ليلة كان من المفترض أن تكون أجمل ليالي عمرها.

                 

والأنكى والألعن والأكثر صدمة في هذا الحادث هو ما أطل به علينا العريس ملقيا في وجوهنا كلماته "الأثيرة" بكل فخر من أن ضرب المرأة عندهم أمرا عاديا حتى وإن كانت فقط ابنة عمه وليست زوجته. لا يا سيدي، ضربك لزوجتك ليس عاديا، وضربك لأي امرأة ليس عاديا، وضربك وإهانتك لابنك أو زميلك أو أي مخلوق ليس عاديا ولا مقبولا.  

 

ولا أظنني بحاجة هنا إلى سرد مواد من مواثيق حقوق الإنسان أو حقوق المرأة لأن الأمر بديهي لا يقبله العقل والدين ولا المنطق ولا الإنسانية. ولكن ما أشعر بضرورة تناوله هنا هو عامل التربية وتأثيرها على الإنسان ونظرته للأمور فهي البوابة التي تشكل شخصيته وتلبسه نظارة يرى من خلالها العالم، وخاصة في أول ثمان سنوات من عمر الطفل.

 

كل إناء ينضح بما فيه. فإذا ربينا أولادنا على الصراخ والضرب والإهانة، ماذا سنتوقع منهم في تفاعلهم معنا ومع المجتمع؟ أليس بديهيا أن يتشكل وعيهم وثقافتهم على أن العنف هو طريقة التعامل مع الأمور؟ الطفل الذي يُضرب أو يرى أمه تُضرب سيكبر متشبعا بهذه الثقافة ويقول بكل تسامح مع النفس أن هذا الأمر "عندنا عادي"!

 

اسقوا أولادكما حبا وتعاطفا وتفهما واحتواءا. لا تعرضوهم لمواقف تكون لهم قناعات مريضة مشوهة. علموهم التعبير عن مشاعرهم دون خوف أو قلق أو كبت.  تحدثوا إليهم عن كيفية إدارة مشاعرهم، واشرحوا لهم أن المرور بأي شعور هو من حقهم، ولكن ليس من حقهم القيام بأي تصرف مؤذي للآخرين. من حقهم أن يحزنوا ويغضبوا ويعترضوا ويرفضوا، ولكن ليس من حقهم التعبير عن ذلك بشكل فيه تجاوز. أشبعوا بناتكم عاطفة وحنانا كي لا يبحثن عن مصدر خارجي، ربوهن على احترام أنفسهن وكرامتهن وعدم قبول الإهانة.  

 

أتوقع أيضا أن الفتاة المسكين التي قبلت استكمال حفل الزفاف بعد ما حدث لم تجد خيارا آخر. فربما رسخت هذه الثقافة المريضة في وجدانها أيضا، وربنا لجأت  لأن تسامح كي لا تفسد يوما وحياة انتظرتها طويلا، وربما اضطرت للقبول خوفا من نتائج الرفض ولعدم وجود مساندة لموقفها وعدم وجود بديل. أعجبني مقطع نشرته المحامية الشهيرة الأستاذة نهاد أبو القمصان تحدثت فيه عن اضطرار الفتاة للتنازل، وتساءلت فيه عن شكل الحماية التي كانت ستوفر لها بعد الخروج من القسم إذا أصرت على المحاكمة القانونية للزوج.

 

تحدثت أبو القمصان عن كيفية حماية الفتيات في هذا الموقف إذا لم تتخذ العائلة إجراءا لحمايتهن وذلك من خلال بيوت استضافة المعنفات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، ووجهت رجاءا للسيدة وزيرة التضامن والسيد وزير الداخية بعقد بروتوكول تعاون يعمم على الأقسام لإحالة هذه الحالات إلى بيوت الاستضافة لتكون في محيط آمن يمكن من حمايتها ومعالجة الآثار النفسية والجسدية التي حدثت لها لتتمكن من أخذ قرار سليم بخصوص حياتها.

 

من وجهة نظري أن واقعة الضرب لن تكون الأخيرة، طالما هي وسيلة مقبولة ثقافيا لدى الزوج والعائلة،   ولكن فليخلف الله ظني ويلطف بالفتاة ومصيرها!