معالى زايد.. اللؤلؤة السمراء

معالى زايد.. اللؤلؤة السمراء
فى ملامح وجهها الأسمر شىء مألوف محبب، يرى البعض أنه يكمن فى شعرها الأسود المتحرر خلفها أو فى عينيها السوداوين الساحرتين اللتين تحمل بهما التحدى، أو فى ابتسامتها البشوشة التى تحمل بها الأمل وتزين ملامحها الدقيقة، عناصر كثيرة اجتمعت معاً جعلت منها أشبه بلوحة رسمها فنان عبقرى. «معالى زايد» هى المتناقضة صاحبة الألف وجه، دعمتها موهبة تمثيلية عبقرية نمت خلال 61 عاماً كشجرة صبار ببطء ولكن بجذور أقوى وقدرة على الخلود، فنجحت أن تتقن شخصياتها حد التوحد معها، وعندما بلغت سن النبوّة عبرت إلى الجانب الآخر من النهر فقدمت شخصيات ظلت هى الأقرب والأقوى فى أذهان جمهورها.
بدأت تظهر الموهبة الفنية على معالى عبدالله المنياوى، الفتاة المولودة فى عام 1953، فقررت أن تلتحق بكلية التربية الفنية لترضى شغفها الذى ما لبث أن ظهرت مواهبه الفنية الأخرى سريعاً، فالتحقت بالمعهد العالى للفنون المسرحية ليساعدها ذلك على تطوير موهبتها، عوامل كثيرة مهدت الطريق أمامها لعل أبرزها أنها انحدرت من عائلة فنية، فاستمدت موهبتها من والدتها الفنانة آمال زايد وخالتها الفنانة جمالات زايد، فلم تمر بالعوائق التى مر بها غيرها من الفنانين، خاصة أن والدها كان من «الضباط الأحرار» بالجيش المصرى. حمل مسلسل «الليلة الموعودة» فى عام 1978 الوجه الجديد الأسمر لجمهورها على الشاشة الفضية، ليتعرفوا عليها للمرة الأولى، وتتوالى بعدها الأعمال التى كانت محطات مضيئة فى تاريخها الفنى، فكونت عدداً كبيراً من الثنائيات الناجحة منها أدوارها مع محمود عبدالعزيز فى أفلام «سيداتى أنساتى»، و«سمك لبن تمر هندى»، و«السادة الرجال» الذى حصلت عنه على جائزة أحسن ممثلة عن شخصية «فوزية أم رجلين حلوة» التى تحولت لرجل، ووقفت فى فترة قصيرة أمام كبار النجوم وجهاً لوجه لتقتنص من موهبتهم وتفرض أيضاً تلقائيتها فى الأداء التى أذهلت الجميع، وقدمت مع الراحل أحمد زكى «البيضة والحجر»، وشاركت نور الشريف فى «الصرخة» و«كتيبة الإعدام» لتحجز لنفسها مساحة فى مصاف نجوم الصف الأول.
لم يقتصر الـ 90 عملاً التى قدمتها «معالى» للتاريخ الفنى على المسلسلات والأفلام، بل امتد ليشمل عدداً من المسرحيات فقدمت «سكر زيادة» و«المهزلة»، و«أنا والحكومة» وغيرها من الأعمال التى لم تلق شهرة واسعة إلا أنها كانت خلاصة تجربة لفنانة صاحبة موهبة قوية، وإلى جانب الفن التمثيلى كان رسم «البورتريه» إحدى أبرز هواياتها فافتتحت عدة معارض للفن التشكيلى، كان أولها بعنوان «الوجه الآخر» الذى استعرضت من خلاله مجموعة من أعمالها الفنية.
ونجحت ملامحها البريئة فى أن تحجز لها مكاناً خاصاً فى قلب المشاهدين من خلال دورها فى «دموع فى عيون وقحة» حين توحدت مع دور «فاطمة» زوجة «جمعة الشوان»، فقدمت بعده عدداً كبيراً من المسلسلات التليفزيونية أصبحت من الكلاسيكيات، وتخلت بعدها عن البراءة لتتجه إلى الأدوار الأكثر جرأة وتنوعاً، وجاء ذلك من خلال مسلسل «الحاوى» مع الفنان فاروق الفيشاوى، الذى قدمت من خلاله دور «عزة» الممثلة المشهورة، وغيرها الكثير من الأعمال التى خلدت وجهاً مألوفاً، وفى شهر رمضان قبل الماضى قدمت معالى زايد آخر أدوارها من خلال مسلسل «موجة حارة» فتألقت فى دور الأم وامتلكت بريقاً يليق بموهبة وأداء ناضج وراق. بالرغم من أنها نجحت فى أن تحظى بحب أبطالها فى أعمالها الفنية فإنها فشلت فى أن تحظى بالحب فى حياتها الشخصية، فنتج عنها زيجتان انتهيتا بالطلاق بعد فترات قصيرة، لتقرر فى النهاية أن تمحو كلمة الزواج بالنسبة لها وترفض أن تدخل فى أى علاقات حتى لا تصبح «فأر تجارب بالنسبة لأى رجل»، على حد تعبيرها. يرى البعض أنها سندريلا صاحبة الحذاء المفقود، التى غادرت عالمنا بعد أن دقت الساعة الثانية عشرة، تاركة لنا جزءاً بسيط ينبئ عن وجود فنانة تجاوزت إمكانيتها حدود الزمان والمكان، ورسخت أدوارها فى عقول محبيها فتركت روحها هائمة بين «فاطمة» و«زنوبة» و«دولت» و«نعيمة الغريب» التى آمنت بهن ورحلت إلى الجانب الآخر، بعد أن تدهورت حالتها الصحية، وتم احتجازها فى مستشفى المعادى العسكرى بعد إصابتها بمرض السرطان.