الأمن القومى المصرى مُجَدَّداً
تضمنت العملية الإرهابية فى الشيخ زويد ثلاث رسائل للدولة المصرية:
أولاها أن شبكات الإرهاب الدولية اخترقت الحدود المصرية، ولعبت على أغلى قطعة أرض مصرية (سيناء).
ثانيتها أن هناك تنسيقاً بين تلك العناصر الإقليمية والدولية من ناحية والإرهاب المحلى من ناحية أخرى.
ثالثتها تحفيز الأعضاء المتعاطفين مع الإرهابيين فى مصر للخروج على الدولة ومؤسساتها.
وعكست قرارات السلطة السياسية ثلاث رسائل مضادة:
أولاها اتخاذ قرارات تشريعية استباقية رادعة سواء بإعلان حالة الطوارئ فى شمال سيناء أو تعديل قانون المحاكم العسكرية أو هوية المنشآت العامة التى يتولى الجيش حمايتها،
ثانيتها اتخاذ إجراءات احترازية لحماية الحدود الشرقية وهى الحدود التى أتت منها مصادر تهديد الأمن القومى المصرى تاريخياً، منها خلق منطقة عازلة وتفريغ بعض المناطق السكنية لفصل الإرهابيين عن المدنيين، وإعادة تسليح القوات المصرية فى سيناء مع إعطائها درجة أعلى من المرونة والديناميكية.
ثالثتها اللجوء إلى الشعب المصرى صاحب السيادة وأصل الإرادة الوطنية من أجل الدفاع عن الدولة وبقائها وتقدمها.
ويدور السؤال الذى يتداوله الناس حول علاقة كل ذلك بالأمن القومى المصرى، وفى هذا الصدد نؤكد على أمرين: الأول أن الأمن القومى هو مسئولية كل مواطن خاصةً عناصر النخبة وكل من عاش وترعرع ولمع على أرض الوطن، كما أن الأمن القومى لا يقتصر على الجانب العسكرى وحده، لكنه يشمل الجوانب الاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى القدرات العسكرية.. والأمر الثانى أن الأمن القومى المصرى، وإن كان يتعرض اليوم للتهديد، فإنه لا ينفصل عن الأمن القومى العربى، ومن ثم فإن تعرض الدولة المصرية للخطر يعرض الوطن العربى كله للتهديد.
بناءً على ذلك؛ فإن بناء وتقوية الأمن القومى المصرى يتطلب ثلاث سياسات مترابطة ومتكاملة:
أولاها بناء القدرات العسكرية المصرية سواء من حيث القدرات البشرية أو تدريبها المستمر على أحدث وسائل القتال، أو تسليحها الحديث، ونحن نعلم أنه على الرغم من الاعتماد العربى على استيراد السلاح، فإن الجيش المصرى يقوم بإعادة تشكيله وتعديله لكى يصير مصرياً فى الاستخدام والتوظيف، ومن المهم الإشادة بالمناورات العسكرية المشتركة التى تجرى بين الجيش المصرى وجيوش الدول العربية الشقيقة توطئةً للتعاون الاستراتيجى فى حالات التهديد الخارجى المباشر للأراضى العربية.
ثانيتها زيادة القدرات الاقتصادية وذلك بعلاج الخلل الاقتصادى سواء فى الإنتاج أو التوزيع، فمما لا شك فيه أن معدل النمو الاقتصادى الذى لا يزيد على 2% ويقل عن معدل الزيادة السكانية 2.3% يشكل أزمة حقيقية للدولة المصرية، وهى أزمة يمكن ردها إلى عشرات الأسباب، وإن كان أهمها ضعف إنتاجية المواطن المصرى مقارنة بغيره فى الدول الأخرى، وعدم القدرة على الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى انعكاس عدم الاستقرار السياسى والإرهاب المقيت على تدنى الدخل من السياحة وتضاؤل الاستثمار الأجنبى المباشر، ويضاف إلى ذلك أن ما يربو على 65% من الاقتصاد المصرى هو اقتصاد غير رسمى، أى غير مسجل، فهو هارب من رقابة وسلطة الدولة، ناهيك عن معضلة العدالة الاجتماعية التى فهمها البعض خطأ بأنها تعنى الحدين الأقصى والأعلى للأجور، بينما يجب أن تقوم على حصول المواطن على مقابل عادل لما يقدمه لوطنه أو ينتجه لمجتمعه.
ثالثتها الإجماع الوطنى حول الأهداف الوطنية العليا سواء تمثلت فى الإعلاء من مكانة مصر لكى تصير بالفعل الدولة الإقليمية المركزية فى المنطقة وتعود لتولى مسئولياتها القومية التى تنتظرها منها شقيقاتها الدول العربية، وفى هذا الإطار فإن مشروع قناة السويس الجديدة يعد نموذجاً لهذا الإجماع، فالمشروعات الوطنية الكبرى Mega Projects، التى تحظى بالمساندة الشعبية، تزيد من المشروعية السياسية Legitimacy لنظام الحكم الجديد، ومن ثم تتكاتف معه ومع القوات المسلحة لتحقيق الأمن القومى. وأرى أن مشروع تنمية سيناء ينبغى أن يكون المشروع القومى التالى، وأذكر أن المرحوم المشير أبوغزالة كان قد شكل لجنة أطلق عليها «لجنة كتائب التعمير»، قد شرفت بأن ضَمّنى إليها، وأوصت اللجنة بمشروع متكامل لتنمية سيناء ليس فقط من الناحية الخدمية، بل الأهم التنمية الإنتاجية لسيناء، وذلك ببناء تجمعات زراعية واستخراجية متشابكة ومترابطة تستوعب كمرحلة أولى خمسة ملايين مصرى يمثلون رصيداً استراتيجياً مبدئياً لسيناء.
وفيما يتصل بالأمن القومى المصرى وارتباطه بالأمن القومى العربى، تكفى الإشارة إلى المحاولات المستميتة من جانب الدول الكبرى ودول الجوار الجغرافى لاختراق وتطويق الأمن القومى المصرى والعربى من خلال سيطرة إيران على اليمن ومضيق باب المندب وخليج هرمز، وتهديد الأشقاء فى دول الخليج والعراق، وتهديد تركيا اليوم لسلامة سوريا والعراق. وفى مناقشة مع قيادات شابة فى بعض دول الخليج الشقيقة، أعربوا عن ثقتهم فى أن سلامة الأمن القومى المصرى وقوة الدولة المصرية تضيف إلى قوتهم، ويشكلون معاً رادعاً لأطماع دول الجوار وحلفائها.
إن بناء الأمن القومى المصرى بالمتغيرات الثلاثة السابقة يشكل الشرط الحتمى لتحقيق الديمقراطية سواء تمثلت فى حرية التعبير أو التنظيم أو المشاركة؛ فلا حرية بدون أمن قومى، فالدول المعرضة للخطر والتهديد vulnerable، التى لا تستطيع حماية مواطنيها وتأمين مؤسساتها، لا يمكنها صيانة أى حرية أو ضمان أى اختيارات شعبية، والدول الديمقراطية هى الدول المستقرة والآمنة، وحينما حدث تهديد للأمن القومى الأمريكى فى سبتمبر 2001، اتخذت إجراءات فورية لتأمين الدولة، وأنشئت وزارة الأمن الوطنى Homeland Security إضافة إلى مؤسسات الأمن الأخرى، ولا شك أن تحقيق الأمن القومى المصرى والإعلاء منه يتطلب المشاركة الشعبية والتعبئة الوطنية للوصول إلى أقصى درجات الأمن القومى، وفى هذه الحالة يمكن أن نطلق عليه «الأمان الإنسانى».