بترخيص من وزارة الصحة!!

كلما شاهدت عبارة «بترخيص من وزارة الصحة» مكتوبة على الإعلانات عن الأدوية والأعشاب فى القنوات الفضائية أتعجب من صمت الوزارة على هذه الكارثة، كما أتعجب أيضاً من موقف نقابة الأطباء التى لا تحرك ساكناً بشأن البرامج الطبية المعلنة وإعلانات النصب على المواطنين من خلال وسائل الإعلام، وكذلك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وجهاز حماية المستهلك، وأيضاً المجالس الكثيرة فى البلد من نواب وشيوخ وحقوق إنسان وغيرها، وكذلك الأجهزة الأمنية والرقابية. لا توجد دولة فى العالم فيها أصلاً إعلانات عن الأدوية فى الإعلام، ووزير الصحة المصرى نفسه لو احتاج دواءً وهو فى أى دولة فقيرة كانت أو غنية لن يستطيع شراءه من أى صيدلية دون روشتة.

كما أن هناك مراحل كبيرة وموافقات كثيرة جداً يجب أن يحصل عليها الدواء حتى يخرج للنور وقبل طرحه للمواطنين لا أظن أن أدوية الإعلانات الفضائية حصلت عليها لأنها مصنعة تحت السلم، ووصلت المهزلة إلى الإعلان عن دواء يُشفى تماماً من مرض السكر، واستغلوا فى ذلك اسم صديقنا العالم المصرى الجليل د. أسامة حمدى، أستاذ الباطنة والسكر بجامعة هارفارد الأمريكية، الذى لجأ إلى القضاء واشتكى فى كل الدنيا لوقف هذه الكارثة، ولكن لا حياة لمن تنادى، والإعلان ما زال يبيع الوهم للمواطنين، وكما قلنا سابقاً ‏صحيح أن معظم هذه البرامج والإعلانات يتم بثها من قنوات خارج مصر، ولكن النصابين داخل مصر والضحايا مصريون، ‏كما أن المجرمين معروفون للأعمى والبصير، والدولة فى النهاية هى التى تتحمل تكلفة إزالة آثار الجريمة.

مثل هؤلاء النصابين من الأطباء الذين نزع الله من قلوبهم الرحمة وكذلك أخصائيو التغذية والأعشاب والدجل والشعوذة الذين يمارسون مهنة الطب وإعلاناتهم تملأ الإعلام والشوارع والطرق والكبارى هم محترفون يعلمون كيف يصطادون الفريسة ويرتكبون جريمتهم دون أدنى مسئولية عليهم لأنهم لا يتقابلون وجهاً لوجه مع الضحايا، ولكن من خلال وسيط، ويكتبون الأدوية والوصفات على أوراق كراسة بيضاء خالية من أى أسماء أو تليفونات أو أختام، ويرسلون الوصفة إلى المنازل، وليسوا أعضاء فى أى نقابة، ولذلك ضحاياهم لن يأخذوا منهم حقاً أو باطلاً، وهنا يأتى دور الدولة فى إنقاذ المواطنين من هؤلاء النصابين.

‏القضية الأخرى المهمة هى ترك الساحة الإعلامية لمثل هذه النوعية من برامج وإعلانات النصب الطبى فى ظل غياب تام للبرامج الطبية المحترمة التى تحذر المواطنين من هؤلاء النصابين وتمنع كوارثهم، وأيضاً تقدم ثقافة صحية من عظماء الطب المصرى، فالمفهوم السائد حالياً لدى المسئولين عن الإعلام أن تكون كل البرامج الطبية مدفوعة الأجر، وعدم ظهور أطباء إلا بمقابل، وهو مفهوم خطأ أتمنى تصحيحه، لأنه تسبب فى ترك المواطن فريسة للنصابين، ومصر فيها عشرات الآلاف من الأطباء المحترمين الذين يمارسون الطب بإنسانية ويتعاملون مع المريض بالرحمة، ولكن للأسف هؤلاء احترموا أنفسهم، وعزفوا تماماً عن الإعلام، بسبب فوضى البرامج الطبية المعلنة التى فتحت أبوابها لكل من يدفع أموالاً حتى لو كان نصاباً.

‏ما زلت أحلم وأتمنى أن تقوم كل أجهزة الدولة ومجالسها بمسئوليتها، حتى يأتى اليوم الذى يتم فيه القضاء على النصب الطبى مدفوع الأجر، وتحل محله ثقافة طبية محترمة تسهم فى توعية المواطنين صحياً، وتساعد الدولة فى جهودها لإصلاح المنظومة الطبية والصحية.

من الممكن تحقيق إيرادات وأرباح من كل شىء إلا من الصحة والمرض والتجارة بآلام الناس.. ‏والله الموفق والمستعان.