مصر فى مؤشر القوة الناعمة
«القوى الناعمة» مصطلح ابتكره الأمريكى «جوزيف ناى»، أستاذ العلوم السياسية، والعميد السابق لمدرسة «جون كينيدى» الحكومية بجامعة هارفارد.
والذى تولى عدة مناصب رسمية، منها مساعد وزير الدفاع للشئون الأمنية الدولية فى حكومة «بيل كلينتون»، وكذلك رئيس مجلس الاستخبارات الوطنى. كما شكلت كتاباته مصدراً مهماً فى رسم السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد باراك أوباما.
يقول «ناى» إن القوى الناعمة هى استقطاب آخرين وجذبهم عبر آليات تقوم على الإقناع والجاذبية، بالاعتماد بشكل أكبر على موارد ناعمة غير مادية، مثل: الثقافة، والقيم السياسية، وشرعية السياسات الخارجية.
تقديرى أن القوة الإقليمية لأى دولة هى قوتها فى التأثير، أما القوة الناعمة، بمعناها الكلاسيكى، فهى القدرة على جذب وضم الحلفاء والمؤيدين دون أى إكراه.
بمعنى أن القوة تعنى فى أحد جوانبها القدرة على تحقيق مكاسب أو تأثير مباشر على الآخرين، ويتم هذا إما عن طريق الإكراه أو تقديم الحوافز. لكن القوة الناعمة هى القدرة على إعادة تشكيل تفضيلات واختيارات الطرف الآخر، بحيث يتم استقطاب المريدين دون أى ضغوطات.
العام الماضى، 2021، تقدمت مصر أربعة مراكز، عن العام السابق له، فى مؤشر القوة الناعمة العالمى (GSPI)، وكانت من بين أفضل 30 دولة تشهد تحسناً ملحوظاً.
وسجلت مصر 38.3 نقطة، احتلت بها المركز 34 (من 100 دولة) من حيث القوة الناعمة.
وكان لاحتفالية موكب المومياوات أثر كبير فى هذا التقدم على المؤشر.
(المراكز الثلاثة الأولى كانت لألمانيا واليابان وأمريكا على الترتيب).
السويسرى «ألدو ماتيوتشى» بمعهد «دبلوماسية العصر الرقمى» (DiPLO)، يرى أن تراكم القوى الناعمة مكلف وصعب ويحتاج إلى الكثير من الوقت.
ويشير إلى عيوب تلك القوى، فيقول إنها تُقيد القوة ولا تعززها لأنها تقترن فى أحد جوانبها بفكرة «الشرف»، والذى يُملى على الحكومات اختيارات محددة قد لا تكون هى الأفضل لتحقيق المصلحة. كما أن الجماهير تتوقع سلوكاً يتوافق مع الصورة الجيدة، وبالتالى فإن أى انحراف قد يؤدى إلى خسائر فادحة فى هذه الصورة العامة.
«إريك لى» عالم اجتماع من شنغهاى، يرى أن البلدان قد بالغت فى تقدير قدرات قوتها الناعمة منذ نهاية الحرب الباردة.
ولا يُعد هذا انتقاداً لتلك القوة ذاتها، ولكنه إدانة للإفراط فى الاعتماد عليها. هو لا ينكر فوائد القوة الناعمة، لكنه يشير إلى أنها أخذت حجماً أكبر مما يجب، ويقول إن الكثير من أوجه القوى الناعمة تعتمد على جهات غير حكومية، وهى جهات فاعلة لكنها لا تعمل فى رأيه بشكل واقعى.
بعيداً عن الرأى العلمى النهائى فى موضوع مدى فاعلية القوة الناعمة، تمتلك مصر أنواعاً متعددة وأشكالاً متنوعة من تلك القوى؛ لعل من أهمها اللغة والتاريخ والثقافة والجغرافيا.
وكذلك مؤسساتها الدينية المعتدلة (الأزهر والكنيسة) التى تعطى للدولة المصرية مكانة دينية وروحية كبيرة.
كما أن لمصر تراثاً تاريخياً وحضارياً يمثل رأس مال ثقافياً تحسدنا عليه أعرق الدول.
لذلك ستظل مصر دولة كبيرة، نحتاج فقط لتأمين الوجود فى المستقبل عبر دعم نجاح الماضى ببعض الإجراءات فى الحاضر. وهذا موضوع كبير آخر.