تجربة المغرب الرائدة في تدبير الشأن الديني
لدولة المغرب الشقيقة تجربة رائدة فى تجديد الخطاب الدينى، أو بمعنى دقيق (إصلاح وتدبير الحقل الدينى)، يمكن دعمها والعمل عليها واستكمال ما نقص منها. فى البداية تعتبر الخطة المغربية أن الخصوصيات الدينية ثابتاً من الثوابت السياسية التى تتسم بالبعث والإحياء، والتجديد والتحديث، والتفعيل والتطوير.
أول شىء فى خطة التدبير الدينى هو تفعيل الإصلاحات الهيكلية المؤسسية فى كل المؤسسات المعنية بالشأن الدينى، لكن ذلك لا بد أن يتم فى إطار المحافظة على الثوابت والهوية الوطنية، ومن هذا المنظور أعيد تنظيم وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وتجديد مهام مختلف المديريات بأقسامها ومصالحها، كما أعيد تجديد المنظومة التعليمية والتربوية لمؤسسات التعليم العتيق، وإحياء رسالة المسجد، ليكون مركزاً إسلامياً شاملاً يساهم فى التربية والتكوين والوعظ والإرشاد والتأطير، وإغلاق الزوايا التى يستغلها المتطرفون.
وتفتح مساجد المغرب أبوابها لدروس محو الأمية، والتربية الوطنية والصحية، وذلك وفق برنامج محكم مضبوط من قبَل وزارة الأوقاف، التى تكلف مدرسين مخصوصين بخصوص هذه الشئون.
وتشكّلت من وزارة الأوقاف المغربية مديريات إسلامية موزعة على جميع الأقاليم، مهمتها الإشراف على تدبير وتسيير أماكن إقامة شعائر الدين الإسلامى، والعمل على تتبع أحوالها، وتنشيط حلقات الوعظ الدينى والأنشطة الدينية بتنسيق مع المجالس العلمية وتعاون مع المؤسسات والهيئات المعنية، وكذا الإشراف على المكتبات التابعة للأوقاف والسهر على دعمها وتنقيتها فى ذات الوقت. خطة التجديد وتدبير الشأن الدينى كانت تحتاج فى المغرب إلى تكوين الأئمة، فصدرت القرارات بتشكيل معاهد خاصة تشرف عليها الدولة، وتنظيم دورات تدريبية وتأهيلية للأئمة والدعاة، الذين خضعوا لسلم وظيفى وترقية وفق النشاط المتابع من قبَل الهيئات التابعين لها.
وتبنت الوزارة استراتيجية إعلامية لمواجهة ما أحدثه المتطرفون فى وسائل التواصل الاجتماعى، متمثلة فى إطلاق برنامج للوعظ والإرشاد والبث المباشر على الإنترنت، وتوسيع خريطة المجالس العلمية المحلية وإعادة هيكلتها، وتدعيم وجودها بالشبكة العنكبوتية من أجل مراعاة خصوصيات وتقاليد أهل كل منطقة والتجاوب مع تساؤلاتهم الدينية.
يشار إلى أنه تم إشراك المرأة فى المجالس العلمية من أجل المساهمة فى قضايا الأسرة والطفولة والشباب، والمؤسسات التعليمية، ودور كبار السن والسجون.
الأهم فى هيكلة الحقل الدينى كان هو الإفتاء وجعله مقتصراً على هيئة علمية واحدة تختص بإصدار الفتاوى الرامية إلى بيان حكم الشريعة الإسلامية فى القضايا ذات الصبغة العامة، وبذلك أصبح الإفتاء مبنياً على الاجتهاد الجماعى، فى إطار مؤسسة تختار الدولة لها علماء من ذوى الكفاءات العلمية والشرعية.
ما يجب لفت الانتباه له أن المغرب أصرت فى خطتها على استمرار الاعتماد على المذهب المالكى كمذهب رسمى، مع التوجيه بآلية لتفعيل الاجتهاد الدينى، ولا سيما قاعدة المصالح المرسلة، والمزاوجة الخلاقة بين الفقه والواقع وعدم غلق باب الاجتهاد، والتنوير، والرقى بالخطاب الدينى إلى مستوى تطلعات الأجيال الحاضرة لتعميق وعيها بقيم الإسلام، بعيداً عن الغلوّ والتطرف.
تجديد الخطاب الدينى وفق خطة التدبير المغربية هو معنى شامل ينتهى إلى تجديد منظومة الدعوة الإسلامية، التى يشكل أهم عناصرها: المنهج والفكر، والمؤسسة الدينية، والمتلقى (وهم المدعوون)، على هيئة مشروع متكامل، وفق قواعد علمية، من خلال التأسيس لمنهج علمى فى قياس، وتقييم وتطوير المنظومة الدعوية (داعية، أهداف، منهج، مخرجات، وسائل، مدعوون)، وعن طريق عمل منظومة للقياس والتقويم والارتقاء يتحقق من خلالها مبدأ (الإتقان)، وعن طريق تطوير المؤسسة الدعوية، وتحقيق احتياجات المستفيدين من المؤسسة الدعوية (المجتمع) ورضاهم التام عن المنتج (الدعوة ذاتها)، ورفع مستوى جودة المنتج التعليمى الدينى بما يحقق أهداف الدعوة فى المجتمع، ويقيها من التطرف والإرهاب.