كوكب مدحت صالح

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

وقف الفنان «مدحت صالح» على المسرح الرومانى المفتوح بمهرجان تركيا العالمى للأغنية ليشدو قائلاً: «رافضك يا زمانى يا أوانى يا مكانى أنا عاوز أعيش فى كوكب تانى». كانت حركات يديه الموحية ونظرات عينيه المعبرة ملهمة لنا جميعاً، إلى أن صدمنا هو بعدها بسنوات طويلة، حين أوضح أنه لم يكن يتحرك تفاعلاً مع اللحن العذب والكلمات البديعة، بل كان ببساطة متوتراً من ضخامة عدد الجمهور بالمسرح، لدرجة بدأ معها نسيان كلمات الأغنية، فكتبها على كف يده قبل البدء، ليضمن عدم تلعثمه، واستلزم هذا استرقاق النظر من لحظة لأخرى إلى هذا الكف الصغير على ضوء الكشافات المبهرة، بما حتّمه ذلك من «تسبيل» رومانسى جميل، هو فى حقيقته انغلاق لبؤبؤ العين الذى ضاق لشدة إضاءة المسرح.

لا أعرف تحديداً هل ما زال الفنان مدحت صالح رافضاً لـ«الزمان» أم أنه قبِلَ بالأمر الواقع، لكن ما نعرفه هو حدودنا فى تحقيق أمنيته بالحياة على كوكب آخر. ولمعرفة إمكانية ذلك علينا ابتداء محاولة «الشعور» بحجم الكون، لأن «إدراك» الموضوع ربما يكون أكبر من استيعابنا، فما لا نفهمه، بحكم غرورنا الإنسانى وتكبرنا الحضارى، أن أمخاخنا ليس بإمكانها استيعاب حجم الكون، فلا يمكنك وضع ماء البحر فى فنجان قهوة. لكن ربما يمكننا الإحساس بالأمر، وحين نفهم حقيقة ضآلة حجمنا، ربما نختار أن نعيش بسلام ما بقى لنا على هذا الكوكب غير المهم.

المسافات فى الكون شاسعة، لا يمكن قياسها بالكيلومترات أو بالأميال، ولذلك فهى تُقاس بوحدة أطوال تسمى «السنة الضوئية»، وهى ليست زمناً لكنها المسافة التى يقطعها الضوء فى سنة كاملة. ولنتخيل طول تلك المسافة علينا أن نعرف أن الضوء يقطع فى الثانية الواحدة حوالى 300 ألف كيلومتر. أى أن الضوء يمكنه نظرياً فى «ثانية» واحدة أن يدور حول كوكب الأرض أكثر من 23 دورة كاملة، وللتبسيط أكثر فالموضوع يكافئ أن تستقل طائرة مصر للطيران من مطار القاهرة الدولى وتذهب إلى مدينة نيويورك الأمريكية وتعود مرة أخرى، وتكرر هذا الأمر، الذهاب والعودة، 16 مرة. وكل هذا فى ثانية واحدة! فما بالك بالسنة!

الواقع أننا حين نتحدث عن حجم الكون، فإننا لا نعنى حجمه الحقيقى، ولكننا نقصد مجرد حجمه المرئى، فالكون المرئى هو ما تراه تلسكوباتنا، وهو يزيد يومياً بتطور تكنولوجيا تلك الأجهزة. من مائة عام كنا نرى كوناً قطره مائة ألف سنة ضوئية فقط. الآن يمكننا رصد قُطر كونى طوله 93 مليار سنة ضوئية (هل تتخيل المسافة! لا تحاول، عقلك غير مصمم لذلك). هذا ما يمكننا رؤيته فقط، والعالِم «ميهران فاردانيان». وفريقه بجامعة أكسفورد نشروا ورقة بحثية تقترح أن حجم الكون الحقيقى أكبر من الكون المرئى بأكثر من 250 مرة.

فى هذا الكون الشاسع، ما احتمالية إيجاد كواكب شبيهة بالأرض؟ وما احتمالية إيجاد حياة عليها؟ ولماذا لم نر أى كائنات أخرى ولماذا لم تتواصل هى معنا؟ كل هذه الأسئلة يمكن الإجابة عنها فى مقال لاحق، يكفى الآن أن نعرف أن العلماء قد اكتشفوا حتى الآن (3500) كوكب شبيه بالأرض، قد يصلح أى منها، علمياً، موطناً جديداً للفنان مدحت صالح.