الصعيد الذى كان منسياً!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

مع مصطلحات أخرى كانت تتداول بكثافة على ألسنة المصريين حتى استقرت فى الوجدان الشعبى وربما الرسمى فى مصر من عينة «تزوير الانتخابات»، و«تصويت الموتى والمسافرين» و«حشد الموظفين فى أوتوبيسات المصالح الحكومية» وغيرها وغيرها نقول: مع هذه المصطلحات كان مصطلح «نسيان الصعيد» أو «الصعيد المنسى» حتى استقر أيضاً فى أذهان الناس وأسهمت فى ذلك أخطاء تاريخية، إذ إنه رغم نهضة الستينات التى استوعبت الصعيد تماماً من جامعات ومصانع (مصر العليا أو الوجه القبلى للغزل والنسيج ومصر الوسطى للغزل والنسيج أيضاً) والسد العالى وإطلاق أكبر محافظة فى مصر من حيث المساحة وهى الوادى الجديد وإنقاذ آثار النوبة، إلا أن اعتبار الصعيد منفى لكل الموظفين العموميين الفاشلين والمهملين الذين يتعرضون للجزاء والعقاب من مصالحهم!! حتى استقر أيضاً المصطلح المؤسف جداً «انقلوه للصعيد»، وهكذا!

الآن.. وبعد نصف قرن تقريباً من التجاهل شبه التام اللهم، إلا مشاريع متناثرة هنا وهناك دون رؤية شاملة وحقيقية.. اليوم يعود الصعيد إلى خريطة الحياة ليكون محل اهتمام الدولة المصرية وقيادتها السياسية لتحصل محافظاته على النصيب ليس فقط الذى تستحقه، إنما أيضاً النصيب الذى يعوضها ما فاتها السنوات السابقة.

ويعيد التوازن إلى حياة أبناء الجنوب ويوفر فرص المعيشة الجيدة التى تتوافر فيها متطلبات الحياة الطبيعية من كهرباء ومياه شرب نظيفة وخطوط للصرف الصحى وطرق ممهدة وأماكن للخدمات الصحية وأماكن لتلقى العلم والتعليم وفرص عمل تعفى الناس من مذلة السؤال وتريحهم من البحث عن لقمة العيش الحلال هنا أو هناك فى هجرات داخلية وخارجية! لم يطلب أبناء الصعيد أكثر من ذلك! لم يطلبوا دور سينما أو أوبرا أو مسارح، رغم أن الحلم حقهم المشروع!

اليوم.. ماذا يحدث فى الصعيد؟ حتى منذ مؤتمر الشباب المنعقد فى أسوان فى يناير ٢٠١٧ الذى تقرر فيه تأسيس الهيئة القومية لتنمية جنوب مصر قبله؟ الأمانة تقتضى حصر كل ما جرى، لكن ذلك يتجاوز مساحة المقال ويحتاج إلى أضعاف أضعاف المساحة المحددة له.. فمثلاً.. المدن الجديدة نجد نصيب الصعيد منها مثل مدن الفشن الجديدة وبنى سويف الجديدة (تتجاوز الـ٢٥ ألف فدان)، الفيوم الجديدة (١٣ ألف فدان تقريباً) وملوى الجديدة وناصر بأسيوط (٦ آلاف فدان) ونجع حمادى الجديدة (من أكبر المدن الجديدة ٢٥ ألف فدان) وغرب قنا (٩ آلاف فدان) وطيبة بالأقصر (٦ آلاف فدان) والأقصر الجديدة (استيعاب ٢٩٠ ألف نسمة) وتوشكى الجديدة (١٠ آلاف فدان) وأسوان الجديدة (٢٢ ألف فدان)، هذه المدن تستوعب الزيادات السكانية والتطلعات الاجتماعية وتفتح باب العمل لعشرات الألوف من العمال وراءهم عشرات الصناعات التى تدخل فى تعمير وبناء المدن من أسمنت وحديد وزجاج وأسلاك ومصابيح كهربائية وأخشاب وأدوات صحية ومسامير وغيرها وغيرها من صناعات!

وباستبعاد المحطة النووية يكون للصعيد نصيب الأسد من محطات الطاقة والكهرباء الجديدة.. من محطة بنى سويف أكبر محطات العالم بالطاقة المزدوجة (غازية وبخارية) إلى واحدة من أكبر محطات الطاقة بالرياح فى العالم بجبل الزيت بالبحر الأحمر إلى واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية فى العالم (بنبان) بأسوان! وهذه مشاريع كبرى لم توفر الطاقة لمصر كلها فحسب ولا للصعيد أيضاً إنما وفرت فرص عمل بعشرات الألوف فيها بشكل مباشر وفى المشروعات التى ستعمل بالطاقة من ورائها!

فى الصناعة الإنجاز كبير أيضاً.. ففضلاً عن مشروع إعادة تأهيل مصانع شركة كيما أسوان التاريخية الشهيرة ورصد ١١ مليار جنيه لذلك وإعادة تأهيل وتطوير ألومونيوم نجع حمادى وإعادة مصنع أسماك أسوان للعمل، لكن أيضاً أسس مصنع تليفونات أسيوط كأول مصانع المحمول والتابلت فى أفريقيا وكذلك مصنع إلكترونيات بنى سويف ويجرى الآن تأسيس وبناء مجمع بترول «أنوبك أسيوط» كمشروع عملاق تقترب استثماراته من ٣ مليارات دولار لتوفير نسبة كبيرة جداً من احتياجات الجنوب من مشتقات البترول وكذلك الانتهاء من واحد من أكبر محالج الأقطان فى العالم بالفيوم وقريباً سيبدأ العمل فى أكبر مصانع سكر البنجر فى العالم بالمنيا بطاقة تقترب من المليون طن سنوياً استفادة من زراعة أراضٍ واسعة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان بالمنيا وكان منها ما يقرب من ٢٠٠ ألف فدان بنجر!

لكن تبدو حركة الصناعة جلية أكثر فى المشروعات الصغيرة، حيث أطلقت الدولة 9 مجمعات صناعية جديدة بكل محافظات الصعيد دون استثناء منها، أولها فى بنى سويف ثم مجمعان بالفيوم ومجمع فى المنيا وآخر بمحافظة أسيوط ثم مجمع بسوهاج وآخر بقنا وغيرهما بالأقصر إلى آخر جنوب مصر والمجمع الصناعى فى أسوان وكلها مجمعات بآلاف المصانع وفرت مئات الألوف من فرص العمل، كما هى حال المشروعات الصغيرة بتوفيرها فرصاً أكبر للعمل!

انتهت مساحة المقال وبالفعل لم نستوفِ كل ما يحدث فى صعيدنا الغالى حتى لو كان مرورنا بغير تفاصيل.. لكنّ لنا حديثاً آخر.