أحياء عند ربهم يرزقون!!

صديق عزيز ومثقف كبير صرح لى منذ شهور مضت بأن «الحرب» التى يخوضها الجيش المصرى فى سيناء لن تكون نزهة عسكرية.. وأن الأمر سيستغرق أعواماً حتى تعود سيناء تحت السيطرة المصرية بصورة كاملة!! لم تخطئ عزيزى القارئ فى قراءة العبارة السابقة.. نعم فسيناء خارج السيطرة المصرية منذ أعوام طويلة.. ودفن الرؤوس فى الرمال وإنكار تلك الحقيقة المؤلمة لن يغير من الأمر شيئاً! بل ومن لا يدرك أن القوات المسلحة تخوض حرباً حقيقية فى سيناء منذ أكثر من عام مضى لهو مغيب بكل تأكيد! المشكلة أن كلمة الحرب قد تبدو مزعجة للكثيرين.. خاصة مع تلك الاضطرابات التى تحيط بنا من كل جانب.. فهناك ثلاث دول قد اختفت بالفعل.. العراق وليبيا وسوريا.. وهناك من ينتظر دوره مثل اليمن.. ولكن أعتقد أن الأمر فى مصر مختلف إلى حد كبير.. فالقطر المصرى أكثر ثباتاً وأصالة من أن يتعرض للتفتيت أو التقسيم الذى يحدث من حولنا.. وهذا بالطبع لا يعود إلى قوة الحكومة المركزية -التى فقدت السيطرة على أحياء داخل القاهرة الكبرى نفسها- وإنما يعود إلى طبيعة البلد.. فمصر دولة مركزية منذ آلاف الأعوام يربطها شريط النيل. لذلك تعتبر سيناء والصحراء الغربية هى المناطق التى تشكل تحديات للحكومات بسبب عدم وجود النيل هناك. وهنا يبدو تقصير الحكومات المتوالية فى عهود سابقة واضحاً وجلياً.. لأنه ببساطة أى إهمال أو خطأ منهم لهذه المناطق يؤدى إلى فقدان السيطرة بالكامل.. وتحول المجتمع داخلها إلى مجتمع مستقل.. يشعر بالعزلة وعدم الانتماء للدولة الأم.. وهو ما حدث بالضبط فى سيناء على مدار ثلاثين عاماً.. لقد تم تحرير سيناء منذ ثلاثة عقود كاملة.. ولكن مبارك ومن معه لم يروا فيها سوى مدينة فى أقصى الجنوب.. وظلت تلك الصحراء مهملة بالكامل وبعيدة عن كل مشاريع التنمية.. حتى أهلها صاروا محل شك لدى الأجهزة الأمنية بصورة مستمرة.. مما أدى إلى خروجها عن سيطرة الدولة.. وظهور سيطرة من نوع آخر فرضها البدو من أهلها الذين مارسوا كل أنواع الخروج عن القانون.. فماذا سننتظر بعد ذلك؟! لقد تم تحرير سيناء من أيدى الإسرائيليين.. ثم تم تسليمها لاحتلال من نوع آخر.. وسط إهمال وغيبوبة من حكومات مبارك المتتالية.. حتى وصل الأمر بنا إلى أن «نحافظ على حياة الخاطفين والمخطوفين» على يد المندوب الإخوانى السابق فى الاتحادية! إن الجيش المصرى يخوض حرباً حقيقية لتحرير سيناء من جديد.. ولهذا فاستشهاد الجنود وحوادث الغدر التى تحدث ليست سوى معارك داخل هذه الحرب.. التى لن تكون سهلة أبداً.. فكابوس الجيوش النظامية هو أن يواجه عصابات مسلحة.. تمتلك القدرة على الكر والفر.. ولا تملك ما تبكى عليه.. ينبغى ألا نبكى جنودنا الذين استشهدوا.. فهم أحياء عند ربهم يرزقون.. كما ينبغى ألا نتراجع عن حرب فرضت علينا.. واعتدناها.. سوف تعود سيناء تحت السيطرة المصرية.. ولكن يبدو أن الأمر سيتكلف الكثير من الدماء.. ويبدو أيضاً أن المصريين قد اعتادوا على هذا الثمن الباهظ.. إنها ليست حرباً على الإرهاب.. وإنما حرب تحرير سيناء! رحم الله الشهداء!