بروفايل| ديلما روسيف.. المرأة الحديدية وأمّ فقراء البرازيل

كتب: دينا عبدالخالق

بروفايل| ديلما روسيف.. المرأة الحديدية وأمّ فقراء البرازيل

بروفايل| ديلما روسيف.. المرأة الحديدية وأمّ فقراء البرازيل

سكنت الحدة خلف ملامحها الرقيقة، والمثابرة والصبر وراء هدوئها، والترقب والحيطة في ابتسامتها البسيطة، فجعلت العمل والاجتهاد عنوانًا لمقاومتها الشرسة للنظام السياسي السائد، الذي أودعها داخل السجون لسنوات، لتخرج منه وتصبح أول امرأة تعتلي منصبا لشؤون الرئاسة رغم أنف الحاقدين والمعترضين حينذاك، وكونها أنثى لم يضعف ذلك من عزيمتها، بل قوى من إرادتها، فنُصبت كأول رئيسة لدولة البرازيل، ولم تكتف بذلك بل حصلت أيضًا "ديلما روسيف" على الولاية الثانية لبلادها، ولقبت بالمرأة الحديدية وأم الفقراء ببلاد السامبا. لم يكن فوز ديلما روسيف برئاسة البرازيل للفترة الثانية أمرًا يسيرًا، خاصة بعد تراجعها في استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات في الجولة الأولى، إلا أن التحدي بداخلها كان أكبر حيث تعهدت في تغريدة لها على "التوتير" عقب فوزها بمحاربة الفساد، وتعزيز مؤسسات الرقابة، فضلا عن تغيير الكادر الحكومي الحالي، وتشكيل حكومة قوية قادرة على إنجاز مشروعات قومية ومواجهة التحديات، وتلاشى كل الأخطاء السابقة، واتخاذ إجراءات عاجلة على مستوى الاقتصاد لمعالجة التراجع في النمو الاقتصادي. ولدت ديلما البالغة من العمر الآن "62" عامًا، بولاية ميناس جيرايس، في 14 ديسمبر 1947، لأم برازيلية، وأب بلغاري الأصل ويعمل بالمحاماة والمقاولات التي فتحت له باب الثراء على مصراعيه بالبرازيل، وفي عام 1964، وحين بدأت الديكتاتورية العسكرية بتثبيت أقدامها في البلاد، انضمت ديلما إلى صفوف حركة المقاومة الطلابية، إلا أنه تم اعتقالها في 1970 وقضت ثلاثة أعوام في السجن، تعرضت خلالها للتعذيب لمناهضتها الحكم العسكري الذي رأت أنه ديكتاتوري ولا يراعي الحقوق العادلة للبرازيليين، وقالت عن تلك الفترة عن تجربتها إنها عانت من التعذيب الوحشي خلال سجنها، ولكنها فخورة لأنها لم تفضح أمر رفاقها. بعد الإفراج عنها، أكملت دراستها في الاقتصاد، وشاركت في إعادة هيكلة حزب العمل الديمقراطي، ومن خلاله تعرفت على زوجها الأول كلاوديو غالينو الذي رافقها في سنوات نضالها اليساري وكان هاربا معها طوال فترة زواجهما غير المستقرة، إلا أنها انفصلت عنه بالطلاق لتكمل مسيرتها مع القيادي العمالي كارلوس أراغو الذي انتهت علاقتها به بالطلاق أيضا بعد أن أنجبت منه ابنتهما باولا. وفي تسعينات القرن الماضي، دخلت روسيف في القالب الحكومي، وتولت وزارة المالية بحكومة ولاية بورتو أليغري، ثم وزيرة للطاقة بحكومة ولاية غراندي دي سول، وانضمت لحزب العمال بقيادة الرئيس السابق لولا دا سيلفا، الذي عينها وزيرة للطاقة في فترة ولايته عام 2002، كأول امراة تشغل هذا المنصب، إضافة إلى ثم كونها رئيسة المكتب الرئاسي عام 2005، وحرص على رفقتها في كل جولاته، وكأنه كان يؤهلها لتتولى منصبه، كما اختارها بنفسه لتخلفه في انتخابات الحزب، وفازت في ولايتها الأولى لرئاسة البرازيل بنسبة 58% من إجمالي الأصوات، متفوقة على منافسها مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي المعارض وتسلمت المنصب رسميا في الأول من يناير 2011. "أمّ الفقراء".. لقب أطلقه الرئيس السابق سيلفا على روسيف، وهو ما راق لها، وأرادت تطبيقه حينما قالت في حملتها الانتخابية، سأحكم البرازيل بالأسلوب نفسه الذي تعتمد عليه الأم في تربية أولادها، كما اعترفت له بالجميل في بدايات مشوارها الرئاسي قائلة "أشكر بشكل خاص الرئيس لولا وسأقرع مرارًا بابه وأعلم أنه سيبقى دوما مفتوحا.. إن مهمة خلافته صعبة وتمثل تحديًا، لكنني سأعرف كيف أكرّم هذا الإرث وأوسع مداه". "المرأة الحديدية".. هو اللقب الثاني الذي لُقبت به، ديلما روسيف، كونها تدير البلاد بطريقة أشبه بمارجريت تاتشر في أمريكا اللاتينية، فضلًا عن أن حياتها زاخمة بالأحداث والمقاومة والصمود، فهي المعارضة الثائرة التي تتقن استعمال السلاح، والسجينة التي صمدت أمام أبشع أنواع التعذيب، والاقتصادية التي تمكنت من لعبت دورًا مهما في تحريك عجلة الاقتصاد عند تسلمها حقيبة وزارة الطاقة، حيث إنها ورثت اقتصادًا من أكثر الاقتصاديات نموًا في العالم إلا أنه يواجه الكثير من التحديات، وساعدت هي في تجاوز عدد منها، ما جعلها تتميز في منصبها عن باقي الرؤساء بجرأتها خاصة في مواقفها الناقدة لسياسات الولايات المتحدة تحديدا فيما يتعلق بفضائح التجسس الأميركي على بقية الدول. لم تقتصر جرأتها في المواقف السياسية فقط، بل كانت في حياتها الشخصية أيضًا حيث كانت تجوب شوارع البرازيل بمفردها على دراجتها النارية دون حراسة رئاسية أو سابق معرفة من أحد، كما أنها مدافعة شرسة عن حقوق المرأة وداعمة دائمة لتمكينها من المشاركة الفعالة في المجتمع والسياسة والاقتصاد.