د. مجدي علام الحُسنى والألباب ومن أناب!
- الإدارة العامة
- مدير الصحة
- مكافحة العدوى
- مكافحه العدوى
- إجتماع
- إستخدام
- الإدارة العامة
- مدير الصحة
- مكافحة العدوى
- مكافحه العدوى
- إجتماع
- إستخدام
جاءت سورة الرعد بتعبير غريب ووحيد لـ«الذين استجابوا لربهم الحسنى»، ولم تفسر ما هى «الحسنى» بينما فسرت الذين لم يستجيبوا «لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ» (آية 18)، «المهاد»: أى المهد، وتفسيره مثل اللحد قبر الموتى، فإن المهد موضع ميلاد الطفل، ولذلك سُميت «كنيسة المهد» على اسم مكان مولد «عيسى»، «فى المهد صبياً» فقد كان موضع ولادته من رحم سيدتنا «مريم» معجزة فى مولده لأم بدون أب، ولذلك اندهش بنو إسرائيل حين أشارت إليه «مريم» دون أن تتكلم، فتصوروا أن بها شططاً قائلين: «كيف نُكلِّمُ مَن كانَ فى المهدِ صبياً»؟ بلغة الاستنكار، وتصوروا أنها إما أنها تسخر منهم، وقد كان هذا أرحم من الظن الآخر حين أجمعوا على اتهامها بالزنا «يا أختَ هـارون»، أى: يا شبيهةَ هارون، شقيق «موسى» فى رسالة الله لكِ، كما فى رسالته لـ«هارون» رسولاً مـع موسى، فقد كانت «مريم» شبيهة «زكريا» فى مولد «يحيى»، فقد جاء «يحيى» من «زكريا» أب بلغ من الكبر (عتياً)، أى: زاد عمره على مائة عام، و«عتياً»: شديد الطعن فى السن والوهن والضعف.
وتواصل «سورة الرعد» وعد الحسنى بملحقات تزيد السورة غرابةً وإعجازاً، فقد سجلت تعريف «أولى الألباب» بعدد تسعة تعريفات «الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة»، وتكشف السورة فى الآية ٢٢ «أولئك لهم عقبى الدار» جائزة «الحسنى» فى «الآية ١٨»، فتحدد أن «الحسنى» هى «عقبى الدار» من «جنات عدن يدخلونها»، وهذه تكررت فى آيات القرآن، أما الجديد غير المتكرر.
فهذا التفصيل فى وجوب دخول أقاربهم وأحبائهم الجنة مكافأة لهؤلاء المتقين بأن يدخل معهم من يحبون رفقتهم، فيكونون رفاقهم فى الجنة ممن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وهذا ترتيب ربانى لمستويات القربى بالأب والأم أولاً، ثم الأزواج ثانياً، فيكون دخول الزوجة الجنة بسبب إيمان زوجها، ويكون دخول الزوج الجنة بسبب إيمان زوجته، ثم ذريتهم، يكون دخول الأبناء الجنة بسبب إيمان آباهم وأمهاتهم.
ثم انتقلت السورة لتعريف جديد غير «أولى الألباب»، وهو «من أناب»، هل هذا من نيابة الأب للابن أن ينوب عنه أم نيابة الله للعبد أن ينوب عنه فى سماحة الإيمان ومساندة الجوعى والعرايا من خلق الله نيابة عن الله خالقهم، وهو تعبير نادر فى القرآن «من أناب» بمعنى أناب إلى الله بعودته لله وقرآنه، بمعنى تاب ثم رجع إلى الله، والذين يصفهم القرآن «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله».
وتحدد السورة هنا معنى السعادة فى الدنيا والآخرة منفرداً، دون أى مجال آخر، لا مال ولا بنون ولا ذهب ولا فضة، وإنما تطمئن القلوب بذكر الله، وهذا هو التعريف الأخطر، أن ذكر الله لفظاً وقولاً أو همساً أو فعلاً وحتى بتمتمة شفاه أو رمشة عين أو خضوع رأس أو ركوع قدم هو تسليم كامل لله، وهذه هى قمة الاطمئنان، ثم يكرر الجملة بعكسها، أى يكرر «وتطمئن قلوبهم بذكر الله» بعكسها «بذكر الله تطمئن القلوب»، وهو تعبير من صميم اللغة العربية بعكس الترتيب لنفس الكلمات صيغة تأكيد.
التعريف الثانى للفئات التى اختارها الله «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» جزاؤهم «طوبى لهم»، أى: كل ما يشتهون من الطيبات يجدونه، وكلمة «طوبى» تحل محل «الجنة» أحياناً بمعنى أطيب مما يتمنى الفرد، وتستخدم فى الكنائس كثيراً «طوبى لمن رضى الله عنه»، وللذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جزاء آخر هو «حسن المآب»، ثم التعريف الثالث وهو نادر جداً فى القرآن الذى عودنا أن كلمة «التوبة ويتوب وتاب» هى المتكررة فى القرآن، إلا أن استخدام السورة لكلمة «وإليه متاب» هو استخدام نادر يكاد يكون وحيداً، ثم المعجزة الكبرى فى سورة الرعد عن معجزات القرآن الكريم وأنه ليس فقط كتاب يقرأ وإنما له مفاتيح الدنيا، بمجرد أن تقول بسم الله الرحمن الرحيم وتقرأ آيات الرزق أو المعونة أو الشفاء أو الكساء -طبعاً مع الأخذ بالأسباب- يأتيك القرآن سعياً محققاً لك أمانيك، ما شاء الله لك ذلك، فتعلن السورة أن القرآن يساعدك ويعينك فى حياتك بسيرك فى الجبال أو قطعك لمسافات طويلة فى الأرض، وهاتان ممكن أن تفهمهما لكن «كُلِّم به الموتى»، تلك هى المعجزة.
فاقرأ القرآن بصدق وادعُ لموتاك ثم ادعُ أدعية النوم، وتمنى لقاء من مات، سيقابلك ويكلمك فى منامك، واسأل أهل الصوفية يدلّوك عن تلك المعجزات التى رأى فيها الشيخ صادق العدوى انتصار الجيش المصرى على إسرائيل، وأبلغ الشيخ عبدالحليم محمود -رضى الله عنه- الرئيس السادات بها فاستبشر خيراً ثم تنتقل السورة لمعجزة أخرى بتحدى الله الكفار، لأن «الآية ٣١» تتحدى الكفار إلى يوم القيامة، «ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا» من كفر وزنا وقتل «تصيبهم قارعة»، أى: ظواهر كونية عاصفة أو سيول أو زلازال أو أعاصير عليهم أو على أقاربهم أو أماكن قريبة منهم ومن دارهم تذكرهم بقدرة الله، «أو تحل قريباً من دارهم»، وتستمر هذه الظواهر المنبه للبشر لعلهم يتعظون، مثل تغير المناخ حتى قيام الساعة بوعد الله، أى موعد الله الذى يحدده وحده لفناء الأرض والبشرية بل والكون كله، ليخلق الله كوناً جديداً «يوم تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرضِ والسماواتُ»، إن الله لا يخلف الميعاد.