ارفعوا أيديكم عن رشوان توفيق
منذ فجر التاريخ والإنسان يحمل الخير والشر معاً، ومنذ فجر التاريخ والأبناء منهم البار بأبويه ومنهم الجاحد الناكر للجميل، ولعل رائعة وليم شكسبير «الملك لير»، تجسد هذا المعنى تجسيداً رائعاً، وهذا هو الدرس الذى أدركته مبكراً الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، التى لا تزال تتربع على عرش بلدها، رغم تجاوزها الخامسة والتسعين عاماً، ورغم تجاوز ولى عهدها وأكبر أبنائها الأمير تشارلز الثالثة والسبعين، كل هذا لم يثنها عن عرشها حتى إن كان لابنها، فقد وعت الدرس جيداً، وأنه إذا ما تركت العرش حتى إن كانت تملك ولا تحكم، فهى إن تركته لن تملك ولن تحكم، وستصبح كأى سيدة متقدمة فى السن تنتظر عطف المحيطين بها، وتتطلع إلى برّهم بها.
كثيرون لا يدركون هذا المعنى، ويعتقدون أن أولادهم هم أنفسهم الذين قاموا بتربيتهم وأخذوا بأيديهم لأعتاب الحياة، حتى سلكوا دروبها وقوى عودهم، واعتقدوا أن المشاعر تدوم والحاجة إلى الأم والأب تستمر بنفس تدفق المشاعر. والحقيقة أن هذا رزق من الله عز وجل، فالابن البار رزق، والابنة الوفية رزق، وزوجات الأبناء ذوات الخلق رزق، وأزواج البنات المحترمون رزق، وهناك مَن يرزقه الله أو يحرمه كما كُتب له.
أما ما أوجع قلوبنا طوال الأيام الماضية على الفنان الكبير والقدير رشوان توفيق، فهو وإن كان ما سمعناه مأساة إنسانية، فقد كنت أفضل لو ظلت هذه الوقائع داخل إطار العائلة، حتى إن كانت درساً تعلم منه الكثيرون ممن يُحسنون الظن أكثر من اللازم بأبنائهم، لكن القصة بدأت بتصريحات للفنان الكبير الذى نتألم جميعاً لألمه، وبدا الأمر كما لو أنه مُعرض للحجر عليه، وراحت تتلقفه البرامج والقنوات، وعلى الرغم من الرد المحترم المقتضب للفنان رشوان توفيق أن الأمر بيد القضاء ولا يريد الخوض فيه، لكن أحداً لم يرحم شيخوخته، ليظل موضوعاً مثاراً لأيام، ثم يتضح أنه إلغاء توكيل وبطلان إجراءات، والرجل يتعاطف مع ضعف ابنته لأنه فى النهاية أب.
الكل فى هذا يحمل جزءاً من الخطأ، حسن ظن الأب بأبنائه أكثر من اللازم خطأ، الجهر بالخلاف خطأ، استغلال الخلاف وعرض آلام الرجل خطأ، السجال المعروض على القنوات الفضائية بين أفراد الأسرة الواحدة خطأ، الجحود والعناد والصلف الذى يدور حول الأب خطأ!
أنا لا أعرف كيف هان هذا الرجل الطيب الكريم، وهذا الفنان العظيم على مَن حوله ليتحول إلى موضوع حديث مثير للشفقة وللثرثرة والحكايات؟ مَن الذى نصح أن يتحول الموضوع لقضية رأى عام يثير الجدل، وهو بين يدى القضاء فى البداية والنهاية؟ ما كان هذا الرجل المحترم الطيب ذو الخلق يستحق كل هذا، فارفعوا أيديكم عنه يرحمكم الله!