بروفايل| نجيب سرور.. الأشجار تموت واقفة

كتب: نورهان نصرالله

بروفايل| نجيب سرور.. الأشجار تموت واقفة

بروفايل| نجيب سرور.. الأشجار تموت واقفة

صورة قديمة بالأبيض والأسود تعود لعقود مضت، يظهر فيها بشعره الغزير وحاجبيه المعقودين، ونظراته المليئة بالحزن والمرارة الدفينة في محاولة للتظاهر واللامبالاة من خلال ابتسامة ساخرة رسمت طريقها على وجهه بسهولة، وحياة خطت سطورها المعاناة والظلم والاضطهاد فكانت أشبه بصرخة يائسة لـ"نجيب سرور" في محاولة لمواجهة الواقع. بذور الثورة والغضب دائمًا ما كانت موجودة بداخله منذ نعومة أظافره، ليشهد بنفسه على واقعة ضرب والده على يد عمدة قريتهم، ليسجِّل الطفل المولود عام 1932 داخل ذاكرته البريئة المعاناة والحرمان الذي يعانيه الفلاحون البسطاء من جانب الإقطاعيين، وكان يذهب الشاعر الطفل إلى مدرسة حكومية بسيطة على أطراف القرية يغيب عنها أي اهتمام حكومي، لتنجح تلك العناصر في أن تتداخل معًا وتلد من قلب المعاناة شاعرًا ومناضلًا شابًا ما لبث أن ظهرت مواهبه الفنية الأخرى سريعًا، فكان ما يتعلمه الفتى مرهف الإحساس وكبير القلب وإنساني المواقف من أدب وشعر ولغة وتاريخ وفلسفة خلال المرحلة الثانوية، كافيًا لنشأة الشاعر والفنان الذي يتحدى الظلم والاضطهاد وهو يراه بقلبه قبل عينيه. وبعودة نجيب سرور إلي مصر في عام 1964، بعد أن حصل على منحة لدراسة الإخراج المسرحي في الاتحاد السوفييتي وقتها، حدث توهج للحركة الفنية المسرحية، حيث قدَّم من خلال كتاباته عددًا كبيرًا من أهم الأعمال المسرحية، منها المسرحية الشعرية "ياسين وبهية" وأخرجها الفنان كرم مطاوع، و"آه يا ليل يا قمر" التي أخرجها جلال الشرقاوي، و"قولوا لعين الشمس"، ثم "يا بهية وخبريني"، وأخرجها كرم مطاوع، و"آلو يا مصر" و"ميرامار" عن رواية نجيب محفوظ. استطاع نجيب أن يسطِّر من معاناته قصائد شعرية غاية في الروعة والرقي، ويبث من خلالها روحه الثائرة المتمردة، منها "بروتوكولات حكماء ريش"، و"لزوم ما يلزم" الذي استطاع من خلاله أن يمزج بين معاناته من الظلم وبين معاناة بعض الشخصيات التاريخية مثل أبي العلاء المعري ودون كيشوت ودانتي، وقصيدة "البحر بيضحك ليه" التي غناها الفنان محمد منير، فأغلب أعماله الشعرية كتبها خلال فترات متباعدة ثم جمعها في دواوين أو مجموعات، منها "التراجيديا الإنسانية"، و"عن المنفى والوطن"، و"أفكار جنونية من دفتر هاملت"، واستمر انتاجه الشعري حتى وفاته حيث كتب ديوان "الطوفان الكبير" وديوان "فارس آخر زمن" عام 1978، ولكنهما لم ينشرا حتى صدرت أعماله الكاملة في العام 1997. ولنجيب سرور باع كبير في النقد الأدبي والمسرحي، فبالإضافة إلى عمله الكبير "رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ" هناك الكثير من المقالات النقدية مثل "تحت عباءة أبي العلاء" و"هكذا قال جحا" و"حوار في المسرح" و"هموم في الأدب والفن" وغيرها من الأعمال التي ظلَّت حتى الآن شاهدة على عبقرية غامضة في عالم الأدب. وفي عام 1978 سقط قلم نجيب سرور بعيدًا عن أوراقه في رحلة لم تتجاوز الـ46 عامًا، شهدت نهايتها اختلافًا بين الشاب الطموح الحالم الذي يسعى للتغيير وبين الرجل المنهك القوي عصبي المزاج الذي أثار الرحيل مبكرًا تاركًا رصيدًا ثقافيًا كبيرًا واكتئابًا في نفوس محبيه من الأدباء والمفكرين والمناضلين والمكافحين.