حدود السياسة فى الأعياد الوطنية
لم يعجبنى كثيراً رفض بعض الأحزاب السياسية المشاركة فى احتفالية نصر أكتوبر المجيد باستاد القاهرة والتى دعت إليها، بالأمس، رئاسة الجمهورية.
فالسادس من أكتوبر عيد وطنى لكل المصريات والمصريين، والداعى الرئيس المدنى المنتخب لجمهورية مصر العربية الذى، وإن اختلفنا معه سياسياً وفى أمور كثيرة، نعترف بشرعيته وشرعية صندوق الانتخاب الديمقراطى الذى جاء به للمنصب الرئاسى.
أفهم أن يمتنع البعض عن المشاركة فى اجتماعات سياسية تدعو لها الرئاسة، أو يقاطع حوارات ترعاها اعتراضاً على بعض أو كل مواقف وقرارات رئيس الجمهورية. فالامتناع والمقاطعة هنا هما فعلان ممكنان فى الحياة
الديمقراطية ويتعين احترامهما وعدم المزايدة عليهما. أما احتفالية نصر أكتوبر، وغيره من الأعياد الوطنية، فلا ينبغى أن يفرض عليها الاختلاف والتجاذب بين الأحزاب أو يدفع بها بعيداً عن سياقها الوطنى. فلسنا هنا مع دعوة لاجتماع بشأن الجمعية التأسيسية للدستور أو مع حوار حول قانون الانتخابات، بل مع عيد وطنى لا يصح التعامل معه على هذا النحو.
كذلك، وبخلاف احتفالات أكتوبر، التى أُقيمت بحضور الرئيس السابق، جاءت الدعوة للاحتفالية هذه المرة من رئيس منتخب لم يغتصب السلطة وتقضى القيم الديمقراطية بالاعتراف بشرعيته. الدعوة جاءت من الرئيس المدنى الأول لمصر منذ تأسيس الجمهورية وبعد عقود من سيطرة المؤسسة العسكرية على المنصب الرئاسى. يستحق الرئيس المدنى، وهو يدعو لاحتفالية بنصر عسكرى عظيم وفى ظل احتفاء بالعسكرية المصرية التى تعود الآن لمهمتها الخالدة فى الدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه دون تدخل فى السياسة، أن يؤيد من جانب الأحزاب والقوى السياسية المختلفة التى تدافع عن مدنية الدولة وأن تنحى الاختلافات والتجاذبات جانباً لمصلحة الوطن.
لم يكن عدم المشاركة فى احتفالية أكتوبر، إذن، فعلاً حصيفاً من قبل الأحزاب التى مارسته. فمن جهة هناك حدود لأهمية السياسة فى الأعياد الوطنية، ومن جهة أخرى يقتضى الانتصار للدولة المدنية الوقوف بجانب الرئيس المدنى المنتخب الأول وهو يحتفى بعسكرية أعادت فى 1973 للوطن كرامته وتعود الآن لمهمتها الأصلية وتغادر السياسة.