القمح والدجاج على ميزان الأسمدة
ربما لم يتوقع وزير الزراعة الحالى أن يلاقى الثناء والمديح على قراره الجرىء برفع أسعار الأسمدة الأزوتية المدعمة، تنفيذاً لتعليمات رئاسة مجلس الوزراء.
القرار على جرأته يتماشى مع الأداء العالمى لأسعار كل مدخلات الإنتاج، التى حوَّلت المنتجين إلى خاسرين، خاصة فى مجال إنتاج الغذاء، نباتياً كان أم حيوانياً، ومع ذلك، تنتفض السلطتان التشريعية والتنفيذية، ومعهما أجهزة رقابية، لاستغاثات الرأى العام، بمجرد ارتفاع مؤشر سعر سلعة غذائية، بغض النظر عن تكلفة إنتاجها، سواء فى «الغيط» أو العنبر أو الحظيرة. لكن هل ننتظر من وزير الزراعة، المشهود له بالجرأة فى التنفيذ، وليس فى إصدار القرارات الكتابية فقط، أن يستعين أيضاً برئيس لجنة الزراعة والرى والأمن الغذائى، ومعه زعيم الأغلبية البرلمانية، ليصدر قراراً بآليات تنفيذ محكمة، بتحديد أسعار ربحية لتوريد المحاصيل الاستراتيجية على الأقل، إعمالاً لنص المادة 29 من الدستور المصرى؟
كثيرون من أهل الاختصاص (خبراء زراعة ومصنعى وتجار أسمدة)، نادوا بتحرير تجارة الأسمدة الأزوتية، منذ سنوات طويلة، شأنها شأن باقى الأسمدة الأخرى، سواء أحادية أو مركبة متخصصة، مع دعم مخرجات الإنتاج، وكل مُزارع حسب «شطارته».
إذ لا يصح أن تضع لجان تقنين الأسمدة حصة ثابتة للفدان من المحصول، سواء كان هذا الفدان يُنتِج 4 أرادب قمح، أو 24 أردباً، وما أكثر أفراد الفريقين، ليتحول الأول إلى تاجر سماد أزوتى، بينما يتسوَّل الثانى من السوق السوداء ما يكفى محصوله، وفقاً للاحتياجات الحقيقية.
الأمر يتطلب صحوة وطنية بين كل الوزراء ونواب البرلمان المعنيين بحماية منتجى الغذاء من الفقر والجوع والسجن، لوقف التصحر فى الأراضى الزراعية نتيجة هجران فلاحيها بسبب خسائر الزراعة، ولإنقاذ صناعة الدواجن من التدمير نتيجة الخسائر المتكررة للمربين ومنتجى البيض، منذ نحو 18 شهراً مضت، دون تدخل الدولة بفرض تطبيق المعادلة السعرية العادلة، التى تراعى تكلفة الإنتاج الحقيقية، وتحكم هامش الربح الرحيم قبل وصول السلعة إلى المستهلك.
ربما يرد وزير الزراعة أيضاً على النقطة الخاصة بملف خسائر الإنتاج الداجنى، بأن هناك لجنة عليا تم تشكيلها، بقرار مجلس الوزراء، لبحث مشاكل صناعة الدواجن ووضع تصورات واقعية لحلولها، لكن يُخشى معه أن يكون تشكيل اللجنة بهيئته التى سطع نورها فى اجتماعها الأول، ليس فى صالح المنتجين المحليين، ما دام تمثيلهم فيها لم يكن بالعدد الكافى لوضع المشاكل الحقيقية لهذه الصناعة نصب عين صانع القرار، وفقاً لمبدأ «العرض الأمين».
كلى ثقة فى قدرة وزير الزراعة الحالى على إقالة عثرة منتجى الغذاء فى مصر، فى زمن كثرت فيه مخاطر هذه المهنة، خاصة أن الرجل لديه رصيد كبير من الخبرة فى إدارة «مخاطر الائتمان»، وما أحوج الفلاح ومربى الدواجن والماشية الآن إلى ائتمان حقيقى يجنبه المهانة وكشف الستر، وليس هناك ائتمان أقوى من تطبيق المادة 29 من الدستور المصرى، لضمان تفعيل شعار «تحيا مصر».