أين هؤلاء من أخلاق المصري القديم؟.. تقديس نهر النيل
فى شهر سبتمبر الماضى، وخلال افتتاحه محطة معالجة مياه بحر البقر، وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإزالة التعديات كافة على مجرى النيل، وحدّد للحكومة مهلة ستة أشهر لإنجاز ذلك الأمر. وقال «السيسى» إنه كما تعمل الدولة على قدم وساق فى مشروع تبطين الترع والإجراءات التى وصفها بأنها «فوق الخيال»، فإنه فى الوقت نفسه لن تقبل الدولة بالتعدى، مؤكداً أن هذا الأمر غير مقبول الآن، مضيفاً أن الدولة تقوم بدور والمواطن عليه دور.
وتنفيذاً لذلك، وفى بداية شهر نوفمبر الحالى، أعلنت وزارة الموارد المائية والرى أنها تمكنت من إزالة ثلاثة عشر ألف تعدٍّ على مجرى نهر النيل حتى تاريخه، بمساحة تصل إلى 2.60 مليون متر مربع، وذلك ضمن حملة تستهدف إزالة مائة وثمانين ألف حالة تعدٍّ، بمساحة إجمالية تصل إلى 19.40 مليون متر مربع تقريباً. ومع إزالة الثلاثة عشر ألف حالة المذكورة، يصبح إجمالى أعداد الإزالات المتبقية نحو 167 ألف حالة إزالة، بمساحة إجمالية تصل إلى 16.80 مليون متر مربع تقريباً. وقالت وزارة الرى فى البيان الصادر عنها بهذا الشأن، إنها تواصل عمليات إزالة التعديات كافة على مجرى نهر النيل وفرعيه والمجارى المائية، فى إطار حملات موسّعة لإزالة جميع التعديات فى غضون المهلة التى حدّدها السيد الرئيس. وتحت شعار «نيل بلا تعديات»، أكدت الوزارة عزمها على التصدى بكل حزم لجميع أشكال التعديات، لردع كل من تسول له نفسه بالتعدى على نهر النيل.
وتزامناً مع الحملة سالفة الذكر، وفى السادس عشر من أكتوبر الماضى، صدر قانون الموارد المائية والرى رقم 147 لسنة 2021م، الذى حل محل قانون الرى والصرف رقم 12 لسنة 1984م. وتضمّن الباب السادس من القانون الجديد الأحكام الرامية إلى «حماية مجرى نهر النيل وجسوره»، حيث تحظر المادة 65 منه إقامة أى مبانٍ أو منشآت أو إجراء أى أعمال فى المنطقة المحظورة وجسور نهر النيل وفرعيه، كما تحظر إقامة أى براطيم ملحقة بمراسى العائمات السياحية فى مجرى نهر النيل وفرعيه. وتحظر المادة أيضاً رسو أىٍّ من العوامات أو الذهبيات بأنواعها المختلفة على شاطئ النيل وفرعيه، أو أى مجرى مائى عام دون ترخيص من الوزارة. كذلك تحظر المادة إقامة أى منشآت فى حدود حرم مآخذ مياه الشرب من نهر النيل وفرعيه أو على مجرى النهر نفسه وفرعيه، أو عمل أى حمايات أو تكسيات أو واجهات للميول والمساطيح إلا بناءً على دراسات فنية متخصّصة وتحت إشراف الوزارة. وتحظر المادة أيضاً إقامة أى منشآت سياحية أو نوادٍ أو غيرها فى منطقة مجرى نهر النيل وفرعيه إلا بترخيص من الوزارة، وطبقاً لاشتراطاتها.
وإذا كانت جهود الدولة فى هذا الشأن تستحق الإشادة والتأييد، فإن سلوك كل من يتعدى على نهر النيل هو سلوك مستهجن يستوجب الإزالة الفورية وإنزال العقاب المناسب بفاعله. ولعل مما يثير الأسى والتعجّب أنه بينما تسول لهؤلاء أنفسهم التعدى على النهر العظيم، فإن المصريين القدماء نظروا إلى النيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس الدينية وغسل المتوفى. وبرز تقديس النيل من خلال حرص المصرى القديم على طهارة ماء النهر من كل دنس، كواجب مقدّس، ومن يلوث هذا الماء يتعرّض لعقوبة انتهاكه غضب الآلهة فى يوم الحساب. ويشير نص قديم إلى أن «من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة». وأكد المصرى القديم فى اعترافاته الإنكارية فى العالم الآخر ما يفيد عدم منعه جريان الماء، درءاً للخير، كما ورد فى الفصل 125 من نص «الخروج إلى النهار (كتاب الموتى)»، نقلاً عن الترجمة الفرنسية للعالم بول بارجيه: «لم أمنع الماء فى موسمه، لم أقم عائقاً (سداً) أمام الماء المتدفّق». وفى نص مشابه على جدران مقبرة «حرخوف» فى أسوان، عدّد صفاته أمام الإله، ذاكراً من بينها: «أنا لم ألوث ماء النهر.. لم أمنع الفيضان فى موسمه.. لم أُقم سداً للماء الجارى.. أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى». وخصّص المصريون القدماء عدداً من الأرباب، ارتبطوا بنهر النيل، أشهرهم الإله «حعبى»، الذى يمثل فيضان النيل سنوياً، ومصدر الحياة الأولى عموماً (بداية الخلق)، ومصدر الحياة الأولى للمصرى القديم.