ماذا حدث فى الإسماعيلية؟!
الجريمة البشعة التى جرت وقائعها فى مدينة الإسماعيلية منذ عدة أيام، وهزت المجتمع المصرى وأصابته بالذهول والصدمة، لا يستطيع عقل أى إنسان تحمُّلها، ولا تحمُّل تفاصيلها، مهما كانت أسباب القاتل، الذى لم يكتف بقتل الرجل بالساطور، بل فصل رأسه عن جسده وطاف بالرأس فى شوارع الإسماعيلية، تلك المدينة الجميلة الهادئة.
الأبشع من تلك الجريمة الفظيعة، هو المشهد المحيط بها؛ حيث يتفرج المارة على الحدث كما لو كانت مجرد تبادل شتائم، أو خلاف على أسبقية السير، وهؤلاء المارة معظمهم من الشباب اليافع، الذى كان يستطيع التدخل ومنع تلك الجريمة، الأغرب هو مشهد الناس وهى تسير حولهما ذهاباً وإياباً، بعضهم ينظر وبعضهم لا، بعضهم يكترث، والبعض الآخر لا يلتفت، كما لو كان ما يجرى هو أمر عادى!
الأكثر غرابة هو أن الفيديو المتداول «سيدة» هى من قامت بتصويره، ومعها صوت طفل تتبادل معه الحديث «عادى»، وفى الثوانى الأخيرة تصرخ طلباً للبوليس، نحمد الله أن هناك من تذكر الأمن أخيراً! حتى الرجل الوحيد الذى حاول أن يتدخل، واسمه (إسماعيل محمد يوسف)، ما إن قال له المتهم إن الجانى قد اغتصب والدته وزوجته، حتى ذهب إلى حال سبيله وتركه يكمل جريمته، لكنه انتقد «سلبية المارة الذين وقفوا يشاهدون الجريمة دون التدخل أو محاولة منع الجانى، بينما بعضهم كان منشغلاً بتصوير الواقعة»!
ما كل هذا يا سادة؟ أين نحن وإلى أين نحن ذاهبون؟ الجريمة بشعة، والدوافع التى دفعت القاتل أكثر بشاعة، ولكن كيف يصل الحال بشارع فى مدينة مصرية إلى هذا الدرك من اللا مبالاة؟ وهى مدينة مصرية لها تاريخ طويل فى البسالة والشجاعة والقتال، فأين ذهب كل هذا؟
إن ما يقلقنى حقيقة فى هذا الحادث؛ أولاً تطور شكل الجريمة، فنحن فى كل يوم نسمع عن جرائم تُرتكب، وضحايا تذهب بذنب أو دون ذنب، وأحياناً ما يتم التنكيل بالجثة بصورة بشعة، ولكن ما حدث فى الإسماعيلية هو تطور خطير من قطع الرأس وفصله عن الجسد، والسير به فى الشوارع، وهو ما يشبه العصور الوسطى، وعصر الفتوات، أو جرائم «داعش»، وتلك ردة خطيرة، وأمر جلل، يجب ألا يمر دون قيام المؤسسات البحثية المعنية بدراسته والحيلولة دون تكراره.
الأمر الآخر -وهو الأخطر- أنه ما إن يشهد المجتمع حادثاً شاذاً يصيبنا بالهلع بمجرد وقوعه، حتى يتكرر ويتحول إلى ظاهرة، ثم نعتاد على وقوعه. وهذا مكمن الخطر الذى أصابنى شخصياً بالخوف على مجتمعنا، الذى يحتاج إلى ثورة أخلاقية حقيقية، بعد كل ما أصابنا من تدهور ولا مبالاة، حتى امتدت اللا مبالاة إلى هذا الوضع المؤسف، وأنا هنا لا أستطيع أن أوجه أى لوم للأمن، فهو وحده وسط هذه الأخلاقيات لن يستطيع فعل شىءٍ، وتلك كارثة أخرى، خاصة على المواطنين المسالمين، الذين يعتمدون على شهامة أبناء بلدهم، فإن هى ضاعت فماذا يفعلون؟!