تحفيز النشاط الاقتصادى: ما بين جهود الرئيس ومساهمة أصحاب الخبرة
لعل ما يقوم به الرئيس السيسى منذ بداية ولايته الانتخابية لم يكن فقط مجالاً للتحليل أو الإعجاب أو حتى النقد، إنما هو تحفيز لطاقات لدى قطاعات عديدة فى المجتمع من أجل طرح الرؤى والأفكار التى ربما يكون من بينها ما يسهم فى إحداث التغيير المرجو من أجل أن يتحول شعار «تحيا مصر» إلى أسلوب حياة.
وإذا كانت المقدمات تقود إلى النتائج، فإن ما تشهده مصر ومناخها الاقتصادى بشكل عام والاستثمارى على وجه الخصوص، يعد المقدمة التى قادت رجلى قانون يعملان فى مجالات ذات صلة مباشرة بالاستثمار إلى عرض عدد من الأفكار والرؤى حتى تتاح فرصة دراستها وانتقاء ما يصلح منها للتطبيق وفقاً للرؤية الأشمل للدولة وما ننشده فى مصر 2030.
وما شجع على كتابة هذه السطور، هو ما لمساه فى تصريحات المتحدث الرسمى باسم الرئاسة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية من حرص الرئيس على مطالبة لجنة الإصلاح التشريعى برئاسة رئيس الوزراء على الإسراع من الانتهاء من مجموعة من التشريعات بعضها يتصل مباشرة بتحفيز النشاط الاقتصادى.
ومع ذلك، فإن تحفيز النشاط الاقتصادى يتطلب النظر إلى حزمة متكاملة من التشريعات حيث لا يقتصر الأمر على قانون للاستثمار الموحد رغم أنه المحور الأول من عدة محاور يمكن للدولة أن تعمل على تحسينها والارتقاء بها من خلال التصدى لها تشريعياً أو إجرائياً.
يعد المحور الأول هو الانتهاء من قانون موحد للاستثمار والتصدى لمنازعاته القائمة؛ بحيث يتصدى بحسم لجوهر مشكلات الاستثمار وهو البيروقراطية المدمرة لأى جهود، وذلك من خلال إفراز مجموعة من التدابير يتضمنها التشريع المزمع، وتشمل توحيد القوانين المتعلقة بالاستثمار تحت مظلة قانون موحد ينظم إجراءات موحدة لإنشاء المشروعات (ذات المنفعة الاقتصادية للدولة) من خلال جهة إدارية موحدة تعمل بنظام الحكومة الإلكترونية (مما يواجه إلى حد كبير أحد أبواب الفساد فى ذات الوقت). إلا أن ذلك لا بد أن تصاحبه أحكام تطيح بعدد من العقبات الإجرائية، من بينها:
- التصديق والاعتماد والموافقات المطولة لدى جهات لا حصر لها، والتى كلها أصبحت ظواهر لا تتماشى مع متطلبات قطاع الأعمال فى أغلب الأحيان (ما لم تمس الأمن القومى أو تفتح سبلاً للاحتيال بطبيعة الحال).
- أن يتضمن تشريع الاستثمار الموحد إعفاءات وضمانات تعمل بشكل تصاعدى، تتسع مع زيادة حجم الاستثمار وأهميته بالنسبة للدولة، وما إذا كان مشروعاً ذا أمد طويل أم لا. ولا مانع من رفع رسوم تقديم الخدمات المعنية للمستثمرين، لتتم على أكمل وجه من خلال أفراد مدربين على أعلى مستوى تربط مهامهم إلكترونياً بقنصلياتنا فى الخارج.
- بالتوازى مع الضمانات والحوافز، يمكن النظر فى إمكانية النص على ضريبة أو غرامة تفرض على أى مستثمر يقرر ترك استثماره وسحب أمواله بعد أن يكون قد حصل على مزايا بناء على طول أمد استثماره واستقراره فى مصر، وذلك بهدف سد باب سوء استغلال الضمانات والحوافز وهروب المستثمرين فى الأزمات التى يمر بها أى اقتصاد حر فى العالم. ولعل فى ذلك وسيلة لتنقيح نوعية المستثمرين الساعين للمساهمة فى النشاط الاقتصادى.
- أن ينص التشريع الذى يضع النظام الاستثمارى المقترح على إنشاء محاكم متخصصة تشكل من القضاة ويعين فيها خبراء فى مجال الاستثمار من خارج القضاء أيضاً، ليقدموا لتلك المنظومة القضائية المقترحة فكراً جديداً، تختص بالفصل فى كل ما يتعلق بمنازعات الاستثمار فى خلال سقف زمنى محدد بنص التشريع.
- وضع جدول زمنى قصير الأمد للتصالح مع المستثمرين المتعثرة استثماراتهم بأثر فورى بشأن كافة المنازعات الاستثمارية القابلة للتسوية، يقوم عليه متخصصون فى مجال الاستثمار تعينهم الدولة لهذه المهمة، وإصدار ما يلزم من تشريعات لحسم ذلك باعتباره إحدى المصالح العليا للبلاد لتنمية الاستثمار فى «مصر الجديدة».
أما المحور الثانى فهو معالجة التعقيدات الإجرائية فى نظام الإفلاس والصلح الواقى منه الواردة بقانون التجارة؛ بحيث يُسمح بإعادة هيكلة الديون بصورة أكثر فعالية وفقاً للأعراف والمواثيق والخبرات الدولية المتاحة فى هذا الشأن. فالمستثمر -على اختلاف جنسيته- يبحث دوماً عن سبل الاطمئنان فى حالة تعثر أعماله. ويمكن القول أن نظام الإفلاس والصلح الواقى يعد أحد عناصر تقييم الاستثمار فى أى دولة. ويرتبط بما سبق محور ثالث وهو تيسير إجراءات قيد الضمانات البنكية والتنفيذ عليها بإجراءات محددة المدة بسقف زمنى لا يتجاوز 30 يوماً فى كل الحالات على الأكثر.
وإذا ما جاز التعبير عن المحاور السابقة بأنها بمثابة عملية توسيع لشرايين الاقتصاد الوطنى، من خلال تيسير الدخول إلى والخروج من النشاط الاقتصادى بالسوق المحلية، فإن ذلك يستلزم بالمثل مراجعة وضبط التشريعات المنظمة للمنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والمناقصات والمزايدات بشكل يقلص من تكلفة النشاط الاقتصادى ويواجه أوجه الفساد المحتملة والمرتبة على وجود ثغرات واضحة فى التشريعات القائمة. وبالتالى فهى ضرورية لاغتنام الفرص الاقتصادية بما ينعكس على مجمل النشاط الاقتصادى ويفتح المجال أمام فاعلين جدد فى السوق المحلية، ويراعى مشاغل المجتمع وتراكم خبراته السلبية تجاه طائفة من الفاعلين الاقتصاديين.
وقد لا يكتمل العمل التشريعى والإجرائى اللازم لتهيئة بيئة أعمال سليمة وتتسم بالشفافية والإيجابية، دون العمل على عدة محاور إضافية تتمثل فى محور رابع يتعلق بضرورة مراجعة تنظيم المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، وكلاهما مختلف فى أهدافه وأغراضه وغاياته. فإذا ما كان يشار إلى المناطق الحرة باعتبارها وسيلة لدفع تجارة التشغيل Processing Trade فإن المناطق الاقتصادية الخاصة هى وسيلة للنهوض بقطاعات ذات قيمة مضافة مرتفعة من خلال التغلب على العقبات الإدارية والقانونية السائدة بغية الارتقاء بالقواعد الصناعية والخدمية لتوفير فرص نمو حقيقى متوسط وطويل المدى للاقتصاد الوطنى، وبالصورة التى لا تصطدم بسيادة الدول وأمنها القومى. فإذا ما تحقق ذلك، يكون لزاماً علينا استكمال الصورة الإيجابية التى ولدتها عملية شراء شهادات الاستثمار فى مشروع قناة السويس من خلال إيجاد مجال أوسع لمشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة، وهو ما يتطلب تفعيل العمل بالقانون رقم 67 لسنة 2010 بشأن تنظيم مشاركة القطاع الخاص فيما يطلق عليه نموذج مشاركة القطاعين العام والخاص PPP. هذا، مع أهمية عدم إغفال أحد أهم محاور النشاط الاقتصادى وهو تفعيل قواعد الحوكمة والشفافية بالنسبة لمؤسسات الدولة والشركات التابعة للدولة حماية لها وصوناً لحقوق الشعب، وكذلك إنفاذاً للدستور.