11 سبتمبر.. حتى لا ننسى

بدت أحداث 11 سبتمبر وكأن كائنات فضائية ارتطمت بكوكب الأرض كله فهزته وزلزلته ولم تصطدم ببرجى التجارة بنيويورك. لقد كانت 11 سبتمبر علامة فارقة فى التاريخ المعاصر، بحيث أصبح عَالَم ما قبل 11 سبتمبر يختلف عن العالم الذى بعده فى كل شىء، وليس ذلك لكثرة ضحايا الحادث أو بشاعته، فقد قتل الجيش الروسى عشرين ألف شيشانى مسلم فى جروزنى، وقتل ميلوسوفتش 12 ألف مسلم فى سربرنتشا بالبوسنة، ولكن الحادث أصاب القوة العظمى الوحيدة ليس فى أبراجها ولكن فى كبريائها وكرامتها، فأطلق عقال هذه القوة فأصبحت كالثور الهائج الذى يتصرّف بجنون دون حكمة أو عقل أو قانون، واليوم تمر الذكرى الخامسة عشرة دون أن يتعلم أحد من دروسها، فالحركات الإسلامية لم تتعلم شيئاً، و«القاعدة» لم تستفد شيئاً من دروس الحادث، والعقل العربى والمسلم ظل يدور حول نظرية المؤامرة، وأمريكا احتضنت «داعش» وأسهمت فى تأسيسها كما أسهمت من قبل فى دعم «القاعدة»، كلاهما ضرب الغرب بعد أن اشتد عوده، إنها دروس كثيرة هذا ملخصها: وضع «القاعدة»، وهو تنظيم صغير، الإسلام ودوله وحركاته وشعوبه فى مواجهة مع الغرب لا يريدونها ولا يرغبونها، ولم يكونوا مستعدين لها وبغير داعٍ، وخلقت «الإسلاموفوبيا» فى الغرب كله، واليوم كرّر «داعش» الأمر نفسه، فوضع الإسلام وأهله فى مأزق خطير حينما أدخل الإسلام فى قفص الاتهام بتهم هو برىء منها، كما فعل «القاعدة» من قبل، وعبثاً يحاول الجميع تبرئته لدى الغرب دون جدوى، لقد أحدث انهيار برجى التجارة حالة من الانبهار الساذج بـ«القاعدة» لدى قطاع كبير من الشباب المتحمس، فهلل بعضهم وكبر، وسجد بعضهم من فرط سذاجته شكراً لله. تذكر بعض السذج إسقاط برجى التجارة ونسوا أنه قد سقط لدينا برجان أعظم وأضخم وأفضل وهما أفغانستان والعراق، لقد قدم «القاعدة» لأمريكا أعظم هدية، فأعطاها كل الذرائع للدخول المباشر فى بلاد العرب والمسلمين، وقدم العرب والمسلمين وبلادهم والإسلام غنيمة باردة للغرب جميعاً، لقد مثلت هذه اللحظة البداية الحقيقية لتقسيم العالم العربى وغزوه عسكرياً، رحّب الملا عمر بـ«القاعدة» وزعمائه، وأحسن وفادتهم، وبايعوه أميراً للمؤمنين، ورغم ذلك فعلوا كل المصائب دون علمه أو مشورته ورغماً عنه، وكان يأخذ عليهم العهد تلو العهد ألا يقوموا بأى أمر من خلال بلاده، وهم يخلفون الوعد فى كل مرة، وقد ضغطت القبائل الأفغانية على الملا لطرد «القاعدة»، ولكنه رفض وأخذ عليهم المواثيق بعد ضربهم سفارتى أمريكا فى كينيا وتنزانيا، وبعد مواثيقهم بقليل إذا هم يخططون لـ11 سبتمبر التى أضاعت كل شىء، «القاعدة وطالبان وأفغانستان»، مع بداية الغزو الأمريكى لأفغانستان هرب كل قادة «القاعدة» تقريباً إلى باكستان وغيرها، وكلهم اصطادتهم أمريكا هناك بفعل العملاء والجواسيس، لقد جلبوا الكارثة للشعب الأفغانى المسكين الذى تحمّل فاتورة الغزو وحده، وتركوه يعانى وحيداً. الملا عمر يصلح كفقيه أو قائد جماعة، ولكنه لا يصلح رئيساً للدولة، فقد قاد أفغانستان الدولة بفكر وعقل إمام المسجد، أو بفقه الجماعة، دولة ليست لها علامات دبلوماسية إلا بثلاث دول -وقطعت بعد 11 سبتمبر منهم- وصورة الرئيس لا يعرفها أحد، وتأوى الدولة تنظيماً مسلحاً يسرح ويمرح فيها كيف يشاء، ولا يهتم «الملا» بالوحدة الوطنية بقدر صراعاته. أمريكا كررت حماقاتها فى هيروشيما ونجازاكى مع أفغانستان والعراق، بل إن عدد الضحايا والخسائر أكبر فى العراق وأفغانستان، ولم تعتذر حتى اليوم عن ذلك، وكذبت على العالم كله فى ذريعة احتلال العراق دون اعتذار، وساندت «القاعدة» نكاية فى الاتحاد السوفيتى، ثم طاردته وقتلت قادته، وساندت وأسست «داعش» نكاية فى إيران وروسيا واليوم تدمره، ومن قبل كان هناك العائدون من أفغانستان فى كل السجون، واليوم هناك فى كل السجون العائدون من سوريا، رغم أن الذين ذهبوا إلى أفغانستان وسوريا كانوا تحت سمع وبصر ودعم كل الحكومات، إنها السياسة الأمريكية الحمقاء.