الدعوة إلى حظر النشر في الجرائم الأسرية

تزايدت فى الآونة الأخيرة الأخبار الصحفية والإعلامية المنشورة أو المذاعة فى الوسط الإعلامى المصرى عن الجرائم الأسرية. وتنوعت هذه الأخبار ما بين ما يطلق عليه «جرائم الشرف»، وتعدد الأزواج، والخيانة الزوجية، وزنا المحارم، والنصب والاحتيال، والقتل. ولم يقتصر النشر على الصحف ووسائل الإعلام المصرية، وإنما امتد إلى غيرها من وسائل الإعلام العربية.

ومع ذلك، لم نسمع، ولو لمرة واحدة، عن صدور قرار من النائب العام أو من المحكمة الناظرة للدعوى عن حظر النشر فى إحدى القضايا الناجمة عن هذه الجرائم. فى المقابل، وفى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفى نهاية شهر يوليو 2021م، صدر قرار النائب العام فى إمارة أبوظبى بمنع تداول قضية قتل شخص لثلاثة أفراد من أسرته، ويشمل المنع كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعى، من قبَل أشخاص طبيعيين أو معنويين، سواء كانوا من أطراف القضية أو أشخاص حياديين. وتضمّن القرار حظر إبداء الرأى أو التعليق على القضية، أو ذكر أسماء لأشخاص فى إطار التعليق على القضية، سواء كان ذلك صراحة أو تلميحاً، تحت طائلة المسئولية القانونية، وحتى صدور قرار الاتهام والإحالة من قبَل النيابة العامة للمحكمة المختصة. وقد صدر هذا القرار على أثر تداول وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى الكثير من المعلومات المغلوطة عن القضية من مصادر غير مختصة، مما تسبّب فى إحداث بلبلة فى المجتمع، وشكّل مساساً بالأمن الاجتماعى، نظراً للأسلوب العشوائى وغير المسئول الذى تم فيه تداول المعلومات، بعيداً عن معايير المصداقية واحترام خصوصية أسرة المجنى عليهم. وفى هذا الإطار، قامت النيابة العامة بفتح باب التحقيق مع إحدى الجهات الإعلامية وأحد الأشخاص لإدلائه ببعض المعلومات المغلوطة حول تحقيقات القضية، دون أن يكون مختصاً بذلك. وعلى حد تعبير البيان الصادر عن النيابة العامة فى هذا الشأن، فإن منع التداول الإعلامى للقضية يأتى فى إطار الضوابط القانونية التى تتمثل فى عدم التأثير فى سير القضية أو المساس بأمن المجتمع، إضافة إلى المحافظة على حقوق وخصوصية أطراف القضية التى يحميها القانون.

ونعتقد أنه من الملائم أن يتم حظر النشر فى الجرائم الأسرية كافة، حرصاً على شعور أفراد الأسرة، ومنعاً لتعظيم أسباب الشقاق بينهم، ولانتفاء المصلحة الاجتماعية من وراء هذا النشر. بل إننا نرى من الملائم أن يمتد حظر النشر إلى القضايا الأسرية بوجه عام، ولو كان الأمر يتعلق بنزاع مدنى، مثل الخلاف حول الميراث أو النزاع حول ملكية عقار. فإذا كنا نحرص على لمّ شمل الأسر ومنع بث الفرقة والشقاق بين أفرادها، وإبقاء باب الصلح مفتوحاً بينهم، يغدو من الضرورى عدم خروج أخبار هذه الجرائم إلى العلن أو نشرها على الملأ. والحقيقة أن تلمُّس الفلسفة التشريعية الحاكمة للعديد من الأحكام القانونية يصب فى اتجاه حظر نشر الجرائم والقضايا الأسرية. ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال مطالعة المادة 273 من قانون العقوبات، بنصها على أن «لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها إلا إذا زنى الزوج فى المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين فى المادة 277 لا تُسمع دعواه عليها». وغنى عن البيان أن الزنا فى النظام القانونى المصرى هو اعتداء على حق الزوج. بل إن النيابة العامة لا يجوز لها مباشرة التحقيق فى الجريمة إلا بناء على شكوى الزوج. والأمر ذاته ينطبق على زنا الزوج، حيث يقيد المشرّع تحريك الدعوى الجنائية عن الجريمة بشكوى الزوجة. وإذا كان المشرّع لا يجيز التحقيق والمحاكمة إلا بناء على شكوى الزوج ودعواه، حرصاً على الستر، فإن حظر النشر فى مثل هذه الجرائم يبدو منطقياً ومقبولاً. وهكذا، يمكن أن نفهم الحكم الوارد فى المادة 193 من قانون العقوبات، بنصها على تجريم وعقاب كل من ينشر أخباراً بشأن التحقيقات أو المرافعات فى دعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا. كذلك، يقيد المشرّع تحريك الدعوى الجنائية عن جريمة امتناع أى من الوالدين أو الجدين عن تسليم ولده الصغير لمن له الحق فى حضانته على تقديم شكوى من المجنى عليه. وللحديث بقية.