"الوطن" تكشف في تحقيق "حليب الغلابة": تهريب لبن الأطفال

كتب: أسامة الديب وريم عبدالله

"الوطن" تكشف في تحقيق "حليب الغلابة": تهريب لبن الأطفال

"الوطن" تكشف في تحقيق "حليب الغلابة": تهريب لبن الأطفال

"هو الغلبان كده بيموت بالتصوير البطيء بيطلع في الروح".. هكذا كان تعليق أحد الموظفين المتضررين من صعوبة الحصول على اللبن المدعم أو "حليب الغلابة"، كما كشف التحقيق الاستقصائي التليفزيوني الذي أعده الصحفي أسامة الديب، بجريدة "الوطن"، والذي تمكَّن من اختراق السوق السوداء، لمعرفة كيفية بيع الألبان بطرق غير قانونية، فيتعذر "الغلابة" من الحصول على حقوقهم في الألبان.

كما كشف التحقيق أن "حليب الغلابة" هو الاسم التجاري للحليب المدعم الذي وضعته الحكومة المصرية والسبب الرئيسي في أوجاع الآباء والأمهات في رحلة البحث عنه، فتارة يكون مسممًا وتارة تكون به مواد مشعة وتارة غير موجود، ولفت التحقيق إلى أنه من الممكن أن تنتظر في طوابير تحت حرارة الشمس من أجل الحصول على اللبن المدعم أو أن تشتريه من السوق السوداء بسعر أغلى وبكميات متوفرة بجوار سور الشركة المصرية لتجارة الأدوية عبر تسريبه من بعض موظفي الشركة.

كما كشف التحقيق أن الحكومة المصرية تشتري علبة الحليب بـ24 جنيهًا وتباع بعد الدعم بـ3 جنيهات منذ أقل من 6 أشهر و17 جنيهًا منذ أكثر من 6 أشهر، ويتراوح سعر العلبة في السوق السوداء بين 35 جنيهًا إلى 70 جنيهًا، تدفع مصر سنويًا 600 مليون جنيه. وقالت أم تحمل رضيعها: "ابني كان عيل ضعيف ومريض بالصفرا، فالدكتور كتب له على دوا مدعم.. دول مش هيقولوا إحنا جعانين ولا شبعانين، هما بيعيطوا بس، هو ده اللي بيشبعهم ومش لاقيينه"، فيما أكدت سيدة أخرى أنها تسافر من المنوفية للقاهرة للحصول على اللبن، ومع ذلك لم تحصل عليه".

وأوضح التحقيق كيفية بيع "اللبن" في السوق السوداء من خلال كاميرا سرية، ودار الحديث كالآتي: "عشرة في العلبة.. هديهالك الاتنين بـ15"، فيرد المشتري: "ده بيبيعها بـ5".. فيجيب "المُهرِّب": "طب أنا أجبرك بتتباع برة العلبتين بـ25 جنيه.. أنا بطلع حق الشاي من ناحية تانية"، ويستكمل: "الراجل في الأول خالص عشان يخزن عندك كان بيتفق معاك على فلوس؟".. فيجيب: "لأ بالحب"، ثم يتساءل: "إيه بقى في المقابل؟"، فيجيب: "هو متعامل برضه مع صيدليات بيبيع العلبة بـ10 جنيهات وبـ15 جنيه بضطر إن أنا آخد ليا.. وبعدين باخد ليا 4 شنط 5 شنط.. هي ماشية كدة، لو الحنفية فتحت عليا يوم السبت هنشغل الكل". ثم يسأل "المشتري"، في التقرير: "انت بتعرف تجيب كام؟"، فأجاب "البائع في السوق السوداء": "ممكن في اليوم أجيبلك 30 علبة 40 علبة.. بخرج بشنط زي كده 66666 في الشنط مش كراتين"، موضحًا أن أكبر مرة كان 35 علبة".

وردًا على سؤال حول احتمالية وجود حالات تسريب للبن الأطفال في الشركة المصرية لتجارة الأدوية، نفى الدكتور محمد حسنين محمود، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لتجارة الأدوية، أن تكون هناك حالات تسريب، لافتًا إلى أن الأمن في الشركة يتخذ إجراءاته، ولا يمكن أي موظف يقوم بذلك وممنوع أن يكون بكميات. وتابع: "يقال إن هناك بيعًا في السوق السوداء، وإذا حدث ذلك وتم التعرف عليه وتأكدنا من تسريب كرتونة أو اثنتين سيحاسب عليه بسعر التكلفة وسيتحول إلى الشؤون القانونية، أما عن الفصل فله إجراءاته طبقًا للقانون".

فيما قال الدكتور عادل محمد كشك، مسؤول برنامج صرف الألبان الصناعية بوزارة الصحة، إنه لا بد من إرسال الدعم لمستحقيه، وتابع: "مقدرش أجزم وأقول مفيش تسريبات لكن ممكن أقول مجاملات ممكن تحصل داخل المركز، لكن أنا ضامن إن أي طفل بيلاقي علبة اللبن".

ومن جانبها، قالت الدكتورة لبنى الحديدي، استشاري بالمعهد القومي للتغذية، إن الطفل يحتاج اللبن، ونقصه يجلب له لين عظام وكساح وتسوس الأسنان وصعوبة في تكوين المخ، ومناعة الطفل تتأثر أيضًا. وأكد الأستاذ محمود فؤاد، المدير التنفيذي لجمعية "الحق في الدواء"، أن منظمة الصحة العالمية صنَّفت مصر كدولة من ضمن 18 دولة أطفالها لديها مشكلة في التغذية، وعدد وفيات الأطفال يرتفع بسبب الإسهال.

وبنبرة أسى شديدة قالت "أم دنيا"، ربة منزل: "بنتي كانت بترضع مني وروحت الصحة أجيب لبن قالوا لي رضعيها انتي، وجبت لها البقري مارضيتش، العيشة مابقتش مكفية، بحس بالذنب لما مبعرفش أعمل لها حاجة"، ثم أضاف زوجها متولي جلال، موظف: "مش بلاقي اللبن، روحت الصيدلية أجيبه لاقيته بـ75 جنيه فبدفع 40 جنيه وبعدين أديله الباقي.. هما بيبيعوها في السوق السودا، هو الغلبان كده بيموت بالتصوير البطيء بيطلع في الروح". وبزيارة مكتب صحة النحال بالزقازيق في الشرقية، كشف التحقيق الذي أجرته "الوطن" عن عمليات بيع في السوق السوداء، فيتجه أحدهم إلى "مكتب الصحة" ليكشف أيضًا عن تجاوزات من الموظفين هناك. وعلى الرغم من نقص اللبن في السوق، يكشف التحقيق بعض وسائل استخدامه في السوق السوداء ودخوله في صناعة "السوبيا" وأرضاع صغار الحيوانات، كما يصور أحد مربي الماعز يشتري "اللبن المدعم"، الخاص بالأطفال، قائلًا: "عندي معزة وبجيب لها لبن بودرة عشان دي هنتسأل عليها، أنا عارف إن اللبن للأطفال بس لازم أرضعها دي راس مالي فاضطريت أشتري بـ15 أو 20 جنيه من الصيدليات".