(1) الآثار المحتملة لتغير المناخ على مصر
بمناسبة مشاركة الرئيس فى قمة المناخ العالمية، هل الرئيس ومجلس علمائه، على علم بالآثار السلبية المتوقعة على مصر والبلدان العربية، التى ألخصها فيما يلى؟ والأهم، ماذا أعدوا لتلافى الآثار السلبية المتوقعة؟
بداية، يتركز معظم النشاط الاقتصادى، خاصة الزراعة، والتجمعات السكانية فى المناطق الساحلية للبلدان العربية، وهى على خطر شديد من ارتفاع مستوى سطح البحر، الذى قد يأتى على صورة إغراق المناطق الساحلية أو زيادة ملوحة التربة ومصادر المياه العذبة الجوفية.
وقد قام المنتدى العربى للبيئة والتنمية بدراسة بتقانة الاستشعار عن بعد لتقدير أثر ارتفاع الحرارة فى العالم على المنطقة، وانتهت إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد سيكون له آثار خطيرة على الكويت، والبحرين، والإمارات، ومصر وتونس والجزائر والمغرب، ينتظر انتقال 3.2% من السكان بينما النسبة المتوسطة المقابلة على مستوى العالم هى 1.3%. ويخشى أن تضم الأضرار المحتملة الأخرى لارتفاع درجات الحرارة تآكل الأرض الزراعية، وتفشى الأمراض المعدية وانقراض أصناف نباتية حيوانية «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009». وينتظر أن يهدد ارتفاع مستوى سطح البحر 1-3% من أراضى كل من قطر، والإمارات، والكويت، وتونس والجزائر والمغرب المتاخمة للبحر أما فى مصر، أكثر البلدان العربية سكاناً، فيواجه 12% من أخصب الأراضى الزراعية خطر البوار، «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009».
الأثر المحتمل لارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة لتغير المناخ، مصر.. المصدر: «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، 63».
وتواجه المنطقة، فوق ذلك خطر نقص إنتاج الغذاء بمقدار النصف إن استمرت أنماط الزراعة المضرة بالتربة. وتحذر الدراسات من مخاطر انتشار مرض الملاريا فى السودان ومصر والمغرب التى حوصر فيها المرض حالياً بينما ظل مستوطناً. وبصرف النظر عن تغير المناخ، ينتظر أن يتفاقم الوضع الحرج لندرة المياه فى المنطقة العربية بحلول عام 2025. فتحذر بعض الدراسات أن ما يسمى «الهلال الخصيب»، الممتد من العراق إلى سوريا شاملاً الأردن ولبنان وفلسطين، يمكن أن يفقد خصوبة التربة، وقد تختفى تماماً قبل نهاية القرن الحالى بسبب تدهور توافر المياه من الأنهار الأساسية فى المنطقة «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، 8».
ضحايا أخرى محتملة لتغير المناخ
تضافر استشراء الجفاف وازدياد شدته مع تغير أطوال الفصول قد ينقص من غلة الزراعة إلى النصف إن لم تطبق إجراءات وقائية بديلة، شاملة تطوير سلالات زراعية قادرة على التكيف مع الظروف المناخية المستجدة.
وينتظر أن تتعرض صحة البشر لمخاطر نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، أساساً بسبب تغير النطاق الجغرافى لحوامل المرض مثل البعوض، وفى نوعية المياه والهواء، وتوافر الغذاء ونوعيته. وعلى الخصوص، ينتظر أن يزداد انتشار الملاريا والبلهارسيا فى مصر والمغرب والسودان.
فينتظر أن يزيد انتشار الملاريا، التى تصيب حالياً ثلاثة ملايين نسمة فى العام فى المنطقة العربية، وتغزو مناطق جديدة بسبب تقصير درجات الحرارة الأعلى لفترة حضانة العائل، ومساعدتها على التكاثر والانتشار. وسيزيد التركز الأعلى لثانى أكسيد الكربون وعواصف الرمال الأكثر تواتراً والأشد قسوة من أمراض الصدر والحساسية فى المنطقة «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، الفصل 7». ويُخشى أن تعانى السياحة أيضاً. حيث سيعنى ارتفاع درجات الحرارة تدهور شعور السائحين بالراحة نتيجة للحرارة الأشد فى فصل الصيف، وتقلبات المناخ العنيفة، واشتداد ندرة المياه، وتدهور النسق الإيكولوجى بوجه عام. وكمثال، ينتظر أن تبهت ألوان الشعب المرجانية فى البحر الأحمر ما يضر بالسياحة فى مصر والأردن. وسيضر تآكل الشواطئ وارتفاع مستوى سطح البحر بالسياحة فى مصر والأردن ولبنان وتونس والمغرب، خاصة حيث الشواطئ الرملية ضيقة والمبانى قريبة من البحر كما فى ساحل مصر الشمالى «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، الفصل 10». ويتوقع أن يتضرر التنوع الحيوى، المتدهور أصلاً، مع تغير المناخ، فقد يترتب على ارتفاع الحرارة بدرجتين انقراض ما يصل إلى 40% من الأنواع الحيوية الموجودة. وفى البلدان العربية تكوينات فريدة يمكن أن تتضرر فى هذا الصدد مثل مستنقعات البوص فى العراق، وسلاسل الجبال المرتفعة فى اليمن وعمان، وسلاسل الجبال المجاورة للشواطئ حول البحر الأحمر «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، الفصل 8». وللأسف لا توجد خطط جادة لحماية البيئة تكفى لمنافحة الآثار الضارة لتغير المناخ فى البلدان العربية، منفردة أو مجتمعة «المنتدى العربى للبيئة والتنمية، 2009، 8-9».
(2) ضعف الوعى بالمخاطر البيئية وقلة الفعل حيالها يهدد التنمية الإنسانية
لا يكترث الحكم التسلطى المتمحور حول مصالح ثلة مسيطرة بإقامة العدالة التوزيعية، سواء بين الأجيال الراهنة أو عبر الأجيال. وهكذا، ما ظل الحكم التسلطى غالباً فى البلدان العربية فلا ينتظر أن تحظى العدالة التوزيعية فى الدوائر الرسمية بأكثر من طنطنة جوفاء لا تسندها سياسات قوية، ناهيك عن دعم مؤسسى أو تمويلى فعال. لكن الوعى الشعبى بالظلم الاجتماعى بين الأجيال الراهنة كان، وما ظل حاداً، حتى تسبب فى اندلاع الانتفاضات الشعبية فى بلدان المد التحررى العربى، ولم تحقق السلطات الانتقالية تحسناً ملموساً فى إقامة العدل بسبب الاضطرابات التى عمت هذه البلدان إثر إسقاط رأس الحكم التسلطى. إلا أن الوعى بالظلم عبر الأجيال المتمثل فى استمرار المخاطر البيئية ليس بالقوة ذاتها. فالعدالة عبر الأجيال أعقد مفهومياً وأصعب فى التبنى والفعل بشأنها، لا سيما إن كان الظلم الاجتماعى الحالى مستفحلاً. ولذلك يبدو الوعى الشعبى بالمخاطر البيئية على التنمية الإنسانية وهِناً. وباستثناء جهود جنينية لبعض منظمات المجتمع المدنى المدفوعة بالتمويل، الأجنبى فى الأغلب، يكاد يغيب الوعى الشعبى بالمخاطر البيئية على تواصل التنمية الإنسانية فى المنطقة العربية، على الرغم من جسامتها. إلا أن هناك بدايات مطمئنة، فقد أجرى المنتدى العربى للبيئة والتنمية مسحاً ميدانياً لاستكشاف مدى الوعى بآثار تغير المناخ على البلدان العربية، وشملت النتائج الرئيسية ما يلى: 98% من المستجيبين يعتقدون أن المناخ يتغير، و89% يعتقدون أن المسئولية تقع على النشاط البشرى، و51% يعتقدون أن الحكومات لا تواجه المشكلة بالشكل الملائم «المنتدى العربى للبيئة والتنمية 2009، الفصل 1».