الهجرة النبوية.. بين خدمة الدين واستخدامه

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

يحتفل المسلمون بعام هجرى جديد ارتبط بحدث عظيم فى تاريخ الإسلام؛ هو هجرة النبى الكريم من مكة إلى المدينة، أربعةُ أيام عظيمة غيَّرت مجرى التاريخ؛ يوم مولده صلى الله عليه وسلم، ويوم نزول الوحى عليه بالخطاب الربانى (اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق) ويوم هجرته، ويوم وفاته؛ حيث انتقلت أمانة البلاغ عن الله إلى من يحملها من المسلمين، فإن بلغوها صافية سمحة بيضاء كانوا هم ورثة النبى، وإن بلغوها فى صورة كالحة غاضبة صادمة كانوا وبالاً على الإسلام.

ولقد صور الإمام البوصيرى جانباً من مشهد الجلال والحماية من الله لنبى الإسلام حين قال:

فالصدقُ فى الغـارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا ** وهُم يقولون مـا بالغارِ مِن أَرِمِ

وِقَايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَـاعَفَةٍ ** مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ

لقد أخذ النبى بالأسباب، واتخذ أبا بكر الصديق رفيقاً له فى الرحلة، ونقلت الهجرة الإسلام إلى أرض رحبة لإقامة الإسلام.

ووضع الرسول الكريم فى الهجرة حداً فاصلاً بين خدمة الدين وبين استخدامه لأغراض لا علاقة لها بالدين، وبيان ذلك فى نقطتين:

الأولى: كان من ضمن المهاجرين رجل غرضه استخدام الهجرة لمقابلة معشوقته، لا من أجل الدعوة، ومن هنا كان البيان النبوى العظيم فى الحديث الذى صدَّر به العلماء كتبهم، حيث منع رسول الله هذا الرجل من أن يخلط أهدافه الشخصية بدين الله، فقال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فالرسول الكريم يوجهنا: إذا أردتَ أن تهاجر لأجل محبوبتك أو لأجل أهداف ومكاسب سياسية أو تنظيمية فأنت حر، ولكن إياك أن تخلط أهدافك هذه بالإسلام، فيظن الناس أنك تخدم الإسلام وأنت تخدم أهدافك وفكرك.

وهذا الخلل واقع نراه، فترى قتالاً من أجل الكرسى، وخصاماً من أجل التنظيم، وغضباً فى ظاهره أنه للدين وفى حقيقته هو انتصار للنفس أو التيار أو الجماعة، ثم استخدام الدين لتحقيق هذا الهدف، فالتوجيه النبوى يدعوك لئلا تستخدم الدين ليكون غطاءً شرعياً يفهم الناسُ منه أنك تفعل هذا من أجل الدين، (اخدم الإسلام ولا تستخدمه)، ومن هنا جاء التوجيه النبوى ليمنع الرجل من الوصول لمحبوبته عن طريق استغلال الدين.

الثانية: استغلال البعض للتضييق والتنكيل الذى تعرّض له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام قبل الهجرة، وفرارهم من أوطانهم، لبيان أن التضييق يقع لأهل الحق من أهل الباطل، وأن المحنة لا تكون إلا لأهل الحق، والحقيقة أن ذلك استخدام خاطئ لحادث الهجرة، فالرسول الكريم هاجر لأجل التوحيد، وليس لأجل قضايا أيديولوجية وتنظيمات خاصة، والمشركون هم الذين وضعوه فى هذه المحنة، ولم يتعرض للمحنة بسبب فشله، وتخبطه، وسوء ترتيبه، وانغلاقه، وتآكل رصيده المجتمعى، وسلطوية سلوكه السياسى، واستعلائه بالإيمان، فحالة الرسول الكريم هى: (ابتلاء أعقبه نصر وتوفيق)، وهذه سنة الله مع كل صادق أمين، بخلاف حالة (بلاء وتخبط أعقبهما هزيمة وانهيار وخذلان).