«الوطن» فى قرية التهريب بسيوة.. الطيران الحربى يستهدف المهربين بالصواريخ

كتب: محمد الخولى

«الوطن» فى قرية التهريب بسيوة.. الطيران الحربى يستهدف المهربين بالصواريخ

«الوطن» فى قرية التهريب بسيوة.. الطيران الحربى يستهدف المهربين بالصواريخ

قرية صغيرة تتبع مدينة سيوة جغرافياً، يبلغ تعداد سكانها ألفى نسمة، كانت حلقة الوصل الرئيسية للتهريب عبر الحدود الغربية من وإلى ليبيا، امتهن عدد من سكانها وظيفة «مهرب»، لأن العائد المادى منها كبير، «الوطن» أجرت زيارة إلى هذه القرية التى تبعد عن الحدود الليبية 30 كيلومتراً فقط، لترصد أوضاع عمليات التهريب، خاصة بعد أن أحبطت قوات حرس الحدود عمليات تهريب لأسلحة ثقيلة كثيرة فى الفترة الأخيرة وقصفت قافلات كانت تمر فى اتجاه الحدود المصرية بالطائرات الحربية.[FirstQuote] الطريق الأسفلتى الضيق بطول 30 كيلومتراً ينقلك إلى قرية بهى الدين من مدينة سيوة، لافتة صغيرة تنذر بالوصول إلى القرية التى يكسوها النخيل وأشجار الزيتون، منازل بدوية بسيطة تقع أسفل جبل عملاق، ينتهى الطريق الأسفلتى فى نهاية القرية، من هنا تبدأ قوافل التهريب فى رحلة تستغرق ساعة ونصف الساعة إلى ليبيا، عبر المدقات والدروب الصحراوية التى يعلمها أهل هذه القرية جيداً. على مصطبة منزله فى آخر حدود القرية يجلس محمد إبراهيم مشرى، شاب ثلاثينى، يروى لـ«الوطن» كيف أحكمت قوات حرس الحدود قبضتها على المهربين ومنعت مرور البضائع المخالفة، كالسلاح والمخدرات والـترامادول، بعدما ضبطت قوات الجيش 49 صاروخاً بعيد المدى وأسلحة متعددة وذخيرة فى منطقة أم الغزلان غرب قرية بهى الدين، يقول «مشرى»: كان الطريق مفتوحاً لمن يريد أن يعبر إلى ليبيا بمنتهى السهولة، لكن قوات الجيش منذ شهور قليلة كثفت الدوريات وعدد الكمائن، كما بدأنا نرى لأول مرة طائرات حربية مصرية تحلق فى السماء بجوار قريتنا تصور الحدود وترصد تحركات المارة والمهربين بالتفصيل، حتى بعد وصولهم للقرية واستقرارهم فى أحد المنازل، بدأت قوات حرس الحدود تحذر شيوخ قريتنا، وطلبت منهم ألا يحاول أحد العبور إلى ليبيا، ومن يقترب من الحدود سيعرض حياته للخطر، وصدق وعيد الجيش، منذ عدة أسابيع شاهدت بعينى وأنا فى اتجاهى للقرية سقوط صاروخ من إحدى الطائرات كان يستهدف سيارة قادمة من ليبيا تهرب سجائر صينية إلى مصر، وبعدها بعدة أيام ضبطت قوات حرس الحدود 23 سيارة تحمل سجائر صينية وأغناماً قادمة من ليبيا، وكان من ضمن المهربين شخص من قريتنا. يؤكد محمد مشرى أن استهداف قوات الجيش للمهربين أدى إلى توقف حركة التهريب الآن، وأرهب كل أبناء القرية الذين كانوا يترددون على ليبيا لنقل شحنات التهريب، وأصبح كل من يطلب منه جلب بضائع من ليبيا يرفض بشدة خوفاً من الموت.
سيارات تستخدم فى التهريب بعد تدميرها من قبل قوات الأمن على الحدود
يعود الشاب الثلاثينى بالزمن قليلاً إلى الوراء، مؤكداً أن أهل القرية تربطهم صلات وطيدة بأهل منطقة جغبوب فى ليبيا، وكانت الحدود حتى عام 2010 مفتوحة لمن يريد أن يعبر لزيارة أقاربه، وقال: أخوات أبى متزوجات فى جغبوب، وكنا نسافر عبر الحدود، وكان الأمر بالنسبة لنا بسيطاً وشرعياً، لأننا لم نحمل معنا مواد محظورة أو نتاجر فى ممنوعات، كنا ننزل إلى ليبيا نشترى المأكل والمشرب والمنتجات الاستهلاكية من أرز ودقيق وتموين وشاى وسكر وكل المنتجات، فالحدود الليبية التى تبعد 30 كيلو فقط أقرب لنا من مدينة مطروح التى تبعد عنا حوالى 330 كيلو، كنا نشترى جهاز عرس أهل القرية من ليبيا ونذهب نتاجر فى الأسواق هناك، وحتى وقت قريب كان بعض من أهل القرية المحترمين ينقلون أغناماً لبيعها فى منطقة جغبوب، ومنهم ابن قريتنا الذى قتل بالخطأ على أيدى قوات حرس الحدود منذ أيام قليلة، لأنه كان ينقل 12 رأس غنم يقوم ببيعها فى ليبيا، واستهدفته الدوريات أثناء مروره الحدود وقتلته، واعتذرت قوات الجيش لأهله وأعطوا أسرته المكونة من خمسة أفراد 70 ألف جنيه تعويضاً وحضروا العزاء. يلتقط على حيدة، أحد أقارب محمد مشرى، ويعمل فى مجال السياحة، أطراف الحديث قائلاً: هنا الناس كلها كانت تعمل سائقين فى السياحة بسياراتهم الدفع الرباعى، وكانوا يدبرون معيشتهم من دخولهم الجيدة من السياحة من خلال رحلات السفارى والتنقل داخل مناطق سيوة، لكن بعد أن توقفت السياحة لم يجد أغلب الناس هنا مصدر رزق سوى حصاد البلح والزيتون الموسمى، وكان عليهم أن يجدوا مصدر دخل، فأغراهم التهريب لأن «فلوسه حلوة»، ويعلم أهل القرية جغرافية المكان جيداً.
مشري
فى أحد منازل القرية التقت «الوطن» بأحد المهربين وتحتفظ الجريدة باسمه، وكشف المهرب تفاصيل عن السلع المهربة وطرق التهريب، يقول: «دورنا هو النقل فقط، يطلب منا أشخاص من خارج سيوة أن ننقل شحنة بسياراتنا، ويعطوننا وسيلة التواصل مع الطرف الآخر فى ليبيا، ونخرج عن طريق قرية بهى الدين فى اتجاه جبل الرخام على بعد كيلومتر من القرية، نسير حتى بحيرة شياطة، ونصل إلى جبل قبيلة الشهيبات قبل حدود ليبيا بـ15 كيلو ونمر على عين أبوزيد وآخر محطة لنا لدخول منطقة جغبوب فى ليبيا عندما نصل إلى الجبل المهجور». ويستكمل: «بدأنا بتهريب النحاس وكان سعر النقلة 1000 جنيه، ثم السجائر الصينية، كان سعر الكرتونة 1500، وننقل الكارتونة بـ60 جنيهاً، ونضعها فى مخازن بقريتنا فى بهى الدين، ثمن التخزين 5 جنيهات على الكرتونة لحين نقلها خارج سيوة عن طريق أشخاص آخرين غيرنا، كنا أيضاً ننقل السيارات المسروقة من ليبيا، وكانت السيارة الليبية الفارهة التى يقدر سعرها بـ300 ألف تباع للمهرب بـ60 ألف جنيه، وكل السيارات المهربة لا بد أن تكون دفع رباعى حتى يسهل نقلها فى الصحراء». يستطرد الشاب المهرب فى حديثه عن تهريب السلاح قائلاً: «كنا فى قريتنا بنشوف السلاح فى التليفزيون فقط، لكن بعد ثورة ليبيا وموت معمر القذافى، أصبحنا نراه رؤية العين، الأشخاص الذين يريدون تهريب السلاح من ليبيا كان أغلبهم من شمال سيناء، خاصة العريش، كانوا يتواصلون معنا عن طريق وسيط من مدينة مطروح، وأقنعوا شباب القرية بأن نقل السلاح حلال، لأنه سيستخدم فى غزة لنصرة فلسطين، وهذا جهاد فى سبيل الله، وبدأنا الشغل فى السلاح، وكان سعر نقلة السلاح يصل إلى 40 ألف جنيه على حسب الاتفاق.
حيدة
يشير المهرب فى حديثه إلى أماكن تسليم البضاعة واستلامها من الطرف الليبى، قائلاً: هناك أماكن على الحدود مميزة مثل العلامة «179» وهى عبارة عن حائط صغير مكتوب عليه رقم العلامة، ومن اتجاه الحدود المصرية مكتوب عليه «مصر» ومن الاتجاه الليبى مكتوب عليه «ليبيا»، هذه العلامة مخصصة لاستلام شحنات السجائر والترامادول والسيارات والنحاس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية مثل الموبايلات، أما السلاح فله أماكن أخرى، أهمها موقع «سعد قناوى» وهى نقطة تمركز مهجورة للجيش الليبى أيام معمر القذافى تبعد عن الحدود المصرية بحوالى 12 كيلومتراً بها مبانٍ ومنشآت عسكرية خاوية، تدخل السيارات فارغة وتخرج محملة بالأسلحة. ينهى الشاب المهرب حديثه قائلاً: «خوفاً على حياتى توقفت عن العمل بالتهريب، لأن قوات حرس الحدود لا تتهاون فى الضرب على من يحاول عبور الحدود، وهناك أصدقاء لى قتلوا أثناء رحلتهم إلى ليبيا، كما أن كل طرق التهريب عبر الحدود مع سيوة مراقبة بالطائرات التى تقوم بتصوير الحدود ليلاً ونهاراً».