الأخطاء الطبية.. التشخيص والعلاج

فى يوم الأربعاء الموافق الثامن والعشرين من يوليو الماضى، كنت ضيفاً على برنامج «من مصر»، المذاع على قناة (CBC)، الذى يقدمه الإعلامى اللامع عمرو خليل، وكان موضوع الفقرة عن «الأخطاء الطبية.. ما بين حقوق المريض ومسئولية الطبيب».

والواقع أن الأخطاء الطبية تشكل ظاهرة عالمية؛ فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية فى شهر سبتمبر 2019م، يتوفى خمسة أشخاص كل دقيقة بسبب الأخطاء الطبية. وعلى الصعيد الوطنى، وخلال عقود سابقة، كنا نسمع عن حوادث ترك «مشرط» أو «فوطة» أو «مقص» فى بطن مريض، أثناء إجراء العملية الجراحية. وفى الآونة الأخيرة، نسمع ونقرأ من آن لآخر عن العديد من حوادث الأخطاء الطبية التى كان ضحاياها شخصيات معروفة، ابتداءً بالفنانة الراحلة «سعاد نصر»، مروراً بالممثلة «حورية فرغلى» والمذيعة اللامعة «إيمان الحصرى»، حتى وصلنا أخيراً إلى ما أثير فى وسائل الإعلام عن وقوع خطأ طبى فى المحنة المرضية التى تمر بها حالياً الفنانة «ياسمين عبدالعزيز»، والتى استدعت بقاءها بالعناية المركزة لبضعة أسابيع. ومنظوراً إلى الإدمان باعتباره مرضاً، لا يفوتنا أن نشير إلى وفاة شقيق الفنان «رامى صبرى». ولم يقتصر الأمر على الأخطاء الطبية التى تقع أثناء التشخيص والعلاج، وإنما امتد إلى العديد من المخالفات والجرائم الأخرى، مثل إفشاء أسرار المرضى، أو التقاط صورة سيلفى مع المرضى فى غرفة العمليات، وترك بعض الأطباء مكان العمل دون إذن.

وقد أثارت الوقائع آنفة الذكر الاهتمام بموضوع الأخطاء الطبية والحديث عن المسئولية القانونية والجنائية للأطباء. ومن جانبنا، وسيراً على النهج المتبع فى مزاولة مهنة الطب، الذى يعتمد على تشخيص المرض ووصف العلاج المناسب والضرورى له، نرى من الملائم الوقوف على أسباب الأخطاء الطبية، ومن ثم وصف العلاج المناسب لها. وانطلاقاً من ذلك، وفى اعتقادى أن بداية المشكلة ترجع إلى عدم وضوح القواعد القانونية الحاكمة لمزاولة مهنة الطب، حيث يعود القانون المنظم لها إلى سنة 1954م، أى أنه قد مضى على صدوره ما يقرب من سبعة عقود، حدثت خلالها العديد من التطورات الطبية والتكنولوجية، بحيث أصبح ممكناً المشاركة فى إجراء العمليات الجراحية عن بعد، كما غدا ممكناً الاستعانة بالروبوت فى إجراء العمليات الجراحية، وصار من الممكن أتمتة كل السجلات الطبية. كذلك، ومع تفشى وباء كورونا المستجد، زادت الحاجة إلى استخدام تقنية المعلومات والاتصالات، وتحديداً تقنية الفيديو كونفرانس، فى التشخيص ووصف العلاج. وبناء على ذلك، نرى من الضرورى الإسراع فى إصدار قانون للمسئولية الطبية، يحدد بشكل واضح صور الخطأ الطبى والضوابط اللازمة لممارسة الطبيب عمله والمحظورات التى تقع عليه، مع بيان القواعد الحاكمة للتطبيب عن بعد. ونرى من الملائم أيضاً استحداث السجل الطبى الموحد، الذى يمكن للطبيب من خلاله الاطلاع على التاريخ المرضى للمريض، والأدوية التى سبق له تناولها، ودون حاجة لسؤال المريض عن التاريخ المرضى له، وأياً كان الطبيب الذى سبق له مراجعته. ونرى من المناسب أيضاً إلزام الأطباء بالتأمين ضد المسئولية المهنية، على غرار ما فعلت العديد من التشريعات الأجنبية. وفيما يتعلق بتحديد ما إذا كان ثمة خطأ طبى أم لا، نرى من الملائم إنشاء لجنة عليا للمسئولية الطبية، وبحيث تحدد ما إذا كان ثمة خطأ طبى أم أن الأمر يندرج ضمن المضاعفات الطبية التى يمكن أن تحدث لأى مريض. فإذا لم يثبت لديها ثمة خطأ طبى، يتم حفظ الشكوى من قبلها. أما إذا ثبت لديها وجود خطأ طبى، فعندئذ تقوم اللجنة بإحالة الموضوع إلى النيابة العامة، لتصدر القرار المناسب فى هذا الشأن.. وللحديث بقية.