أُسر المصطفين على العالمين
أربع أسر مصطفين على العالمين، اصطفى اللَّه عائلات وأسر كل من «آدم ونوح وإبراهيم وعمران»، كما قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيع عليم» (سورة آل عمران: 33 - 34)، ثم استطردت السورة كأنها تقول إنهم أسرة واحدة، ولكن الفترات الزمنية فصلتهم زمناً ولم تفصلهم نسباً ولا ديناً (ذريةً بعضُها من بعضٍ واللَّه سميعٌ عليمٌ)، أى أنهم فعلاً أسرة واحدة طبعاً أبوهم «آدم» وهو أب واحد وأمهم «حواء»، وهى أم واحدة وإن تعددت الآباء والأمهات بعدهم من «آل نوح وإبراهيم» و«يعقوب والأسباط وآل عمران» من نسل «إسحق بن إبراهيم» ثم محمد صلى الله عليه وسلم من نسل إسماعيل بن إبراهيم، وهو إسماعيل الوحيد الذى يتحدث العربية مع قومه، والهيروغليفية مع أمه هاجر، وأخواله من مصر الفرعونية الذين علموه صنعة البناء والحوائط المرتفعة التى لا يعلمها بالضرورة البدو الرحل ولا العرب العاربة أو المستعربة ولا حتى الغساسنة المجاورون للعراق وبابل المجاورون للحضارتين الفارسية والرومانية. ومن هنا جاء آل إبراهيم جامعاً لمعظم الرسل، ويبدو أن آل عمران اقتصروا على زكريا وزوجته وأم مريم ومريم ثم عيسى، وكذلك فإن بنى إسرائيل الذين عاشوا فى فلسطين والشام مع يعقوب، وهو إسرائيل، حين انتقلوا لمصر مع يوسف وتناسلوا حتى وُلد موسى فنزلت عليه ألواح التوراة مكتوبة من السماء وحملها لبنى إسرائيل فى سيناء ثم نقلوها لفلسطين، ووُجد بعضها فى البحر الميت، مما يؤكد أن سيناء كلها والأردن وفلسطين كانت الأرض المباركة التى تنتظر إكمال حدودها بذرية إسماعيل من إبراهيم، فكان أن وُلد محمد من مكة ليعود إليها نبياً من نسل إسماعيل بن إبراهيم، ويكون قد اكتمل لإبراهيم استجابة اللَّه لدعائه لمكة «ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً»، فتجد كل أنواع الثمرات موجودة فيه من كل دول العالم، وحينما قال «مَن آمن منهم» فقط أوقفه الله وأنزل عليه الوحى «ومن كفر فأُمتعه قليلاً» أى طول حياته فى الدنيا «ثم أضطره إلى عذاب النار» أى قهراً يعذب، وهذا وعد من اللَّه لكل الكفار أنهم سيرزقون الماء والأكل والدواء دون تفرقة، لأنهم كفرة، لأن وعد الحياة واستمرارها للبشر هو شرط سابق على الإيمان، ولذلك قال اللَّه فى سورة المائدة ما معناه من حق المؤمن أن ينطق بالكفر إن تعرض للموت وهذا منفذه الوحيد فهذا الكفر كفر لسان فقط وقلبه ملىء بالإيمان، وهذا شرط الكفر أن يعتقد يقيناً وليس شاكاً فى الكفر باللَّه، وهذا الشرط القرآنى أسقط كل دعاوى التكفير والهجرة حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «هلا شققت عن صدره؟!» لتعلم أنه مؤمن أو كافر، طالما قالها، أى قال إنه مؤمن عصمه اللَّه فى دمه وماله وعياله.
ومن العجيب أنه عبر البشرية كلها منذ نشأة الإنسان على الأرض، يكرر القرآن لفت النظر إلى أن المصطفين هم أبناء هؤلاء الأسر الأربع فقط، ويبدو أن هذا التكريم يرتبط بأحد الأشخاص فى هذه الأسر، ففى ذرية آدم كان آدم نفسه بتوبته بعد خطيئته لأكل التفاحة الملعونة طاعة لإبليس وعصياناً للَّه، فعلمه اللَّه كلمات فأتمهن فتاب عليه.