بروفايل| الحصري.. "الصوت المعلم" وأول من رتل القرآن في "الكونجرس"

بروفايل| الحصري.. "الصوت المعلم" وأول من رتل القرآن في "الكونجرس"
رفض عدد كبير من المقرئين والمشايخ إتمام فكرة تسجيل المصحف المرتل على أسطوانات لأول مرة، بالروايات العشر من بينها "حفص عن عاصم، ورش عن نافع، قالون، والدوري"، ولكن "الشيخ الراحل" وافق على التسجيل وأتمه في عشر سنوات متصلة، فحققت نجاحًا منقصع النظير، تجلَّت فيها رزانة صوته، وحُسن أدائه لمخارج الحروف وصفاتها، ومراعاته التامة لأحكام الغُنَّات، ومراتب التفخيم والترقيق، وغير ذلك من أحكام التجويد التي أتقنها غاية الإتقان، فتطرب الآذان بآيات القرآن الكريم معه، ويخشع معهما القلب والذهن بشدة، يبحر المستمع له في بحر عالم آخر روحاني لا ينفك عنه، فكان شيخ القراء في زمانه ومن المتقنين لفن القراءة وعلوم القرآن في العالم العربي بأكمله، ولُقب "بالصوت المُعلم".
الشيخ محمود خليل الحصري، يُعدُّ أشهر من رتَّل القرآن الكريم في القرن الهجري الماضي؛ فهو صاحب مدرسة فريدة في التلاوة، وأول من سجَّل المصحف المُعلم والمفسر، فظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة صوته منفردًا حوالي 10 سنوات، وأول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، لترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، وانتخب رئيسًا لاتحاد قراء العالم الإسلامي عام 1968، وكان أول من قرأ في الكونجرس الأمريكي وهيئة الأمم المتحدة.[FirstQuote]
17 سبتمبر عام 1917، كان يوم مولد القارئ محمود خليل الحصري، في قرية شبرا النملة التابعة لطنطا، بمحافظة الغربية، انتقل والده من محافظة الفيوم إلى هذه القرية قبل ولادته، وأدخله الكتاب حين كان عمره 4 سنوات ليحفظ القرآن فأتم حفظه وله من العمر 8 سنوات وكان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدي في طنطا يوميًا ليحفظ القرآن، وفي الثانية عشرة من عمره التحق بالمعهد الديني في طنطا، وتعلَّم القراءات العشر ثم انتقل بعد ذلك إلى الأزهر الشريف.
كانت بدايته مع القرآن سنة 1928، حينما دعاه شيخ الغفر لإحياء حفل في بيته ووعده بإعطائه ثلاثين قرشًا في نهاية الشهر، فكانت سعادته كبيرة، حيث إن سنه ما زالت صغيرة، لم ينصرف الناس عن الاستماع لتلاوته بعدها، وفي عام 1944 تقدَّم للإذاعة بطلب تحديد ميعاد لامتحانه، واجتاز الاختبار وتم التعاقد معه في نفس اليوم فكانت أول قراءة له على الهواء مباشرة يوم 16 نوفمبر عام 1944، وكان وقتها لا يزال مقيمًا بالقرية، ثم تم تكليفه بالإشراف على مقارئ محافظة الغربية، وفي 17 أبريل 1949 انتدب قارئًا في مسجد السيد البدوي في طنطا، وفي 1955 انتقل إلى لمسجد الحسين بالقاهرة، وفي 1957 عُيِّن مفتشًا للمقارئ المصرية، وبعد عام عُيِّن وكيلًا لمشيخة المقارئ المصرية.
قدَّم العديد من المؤلفات؛ منها "أحكام قراءة القرآن الكريم، والقراءات العشر من الشاطبية والدرة، ومعالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء، والفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير، وأحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر، وقراءة الدوري عن أبي عمرو البصري، ونور القلوب في قراءة الإمام يعقوب، والسبيل الميسر في قراءة الإمام أبي جعفر، وحسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة، ورحلاتي في الإسلام".
اهتم الشيخ الحصري بتحفيظ أبنائه للقرآن الكريم، اهتمامًا بالغًا، فقد كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، فالتزموا بالحفظ، وكان يتابع ذلك كثيرًا إلى أن حفظ كل أبنائه ذكورًا وإناثًا القرآن الكريم كاملًا.
توفي "الصوت المعلم"- رحمه الله- بعد عودته من زيارة للسعودية في رمضان، حيث عاد لمصر مريضًا، وزاد عناء السفر وإجهاده من مرضه الذي كان يعاني منه وهو القلب إلا أن المرض اشتدَّ عليه بعد ثلاثة أيام من عودته، ونصحه الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب، وتحسَّنت صحته فعاد إلى البيت مرة أخرى حتى ظنَّ أهله أنه شُفي تمامًا، وظن هو كذلك إلا أنه في يوم الإثنين الموافق 24 نوفمبر عام 1980، فاضت روحه إلى بارئها بعد أن أدى صلاة العشاء مباشرة، بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عامًا.