سبائك الذهب من المخلفات الإلكترونية.. «حلم الثراء القاتل»

كتب: إنجى الطوخى

سبائك الذهب من المخلفات الإلكترونية..  «حلم الثراء القاتل»

سبائك الذهب من المخلفات الإلكترونية.. «حلم الثراء القاتل»

شاب من منشية ناصر: تركتها بعد 12 عاماً من العمل بها.. وعدت لجمع القمامة العادية خوفاً على صحتي

منذ صغره، لا يتوقف رومانى رسمى عن الحلم بالثروة، التى ستجعله يغادر منطقة منشية ناصر بلا رجعة، إلى منطقة سكنية أرقى، ومستوى معيشى أفضل، يشبه حال المنازل الجميلة فى مصر الجديدة التى يجمع منها القمامة، والأهم هو التخلص من رحلة «اللف» المضنية التى يقوم بها منذ شروق الشمس حتى الغروب وأحياناً إلى منتصف الليل، حتى تشققت يداه وقدماه، وأصابته آلام الظهر، بينما يسد رمقه بوجبة واحدة هى «كيس كشرى» وزجاجة مياه غازية، والمكسب لا يسمن ولا يغنى من جوع، ولا يبشر أبداً بتحقيق حلمه بالراحة أو الثروة.

صاحب مصنع تدوير: لا بد من إجراءات حماية أثناء عملية الاستخراج والقانون هو الحل لمنع المخالفات

استخراج الذهب من تدوير المخلفات الإلكترونية، كان الحل السحرى الذى طرحه بعض الأصدقاء على «رومانى»، حيث يمكن تجميعها بسهولة، ورغم المكاسب التى حققها مثل الحصول على شقة تمليك لعائلته، إلا أنه توقف بعد 12 عاماً من العمل فى تدوير المخلفات الإلكترونية، خوفاً على صحته، فقد كان يقوم بالتدوير بطريقة غير قانونية أو آمنة من خلال حرق تلك المخلفات للحصول على المعادن، أو التعامل المباشر باليد دون أى حماية من خطر محاليل ومواد كيميائية أقلها خطورة هو حمض النيتريك: «خفت على حياتى لأننى مؤخراً لم أعد قادراً على التنفس بسهولة، فالأبخرة المتصاعدة تستمر يوماً كاملاً، دون إمكانية المغادرة حتى لا يتوقف العمل، فتركتها بلا ندم وعدت إلى تجميع القمامة، لأن الإنسان يعيش الحياة مرة واحدة، والرزق على الله»، كلمات يقولها «رومانى» بينما يقف أمام مخزن لفصل القمامة فى منطقة منشية ناصر.

ليست مجرد «زبالة»!

 

رغم أن الأجهزة الإلكترونية الحديثة الهدف منها دوماً تسهيل حياة الإنسان، إلا أنه وبعد انتهاء عمرها الافتراضى، لا تتوقف الاستفادة منها، فيمكن إعادة تدويرها مرة أخرى، للحصول على المعادن الثمينة التى تدخل فى تصنيعها مثل الذهب والقصدير والنحاس والبلاديوم، إلى جانب الفايبر جلاس، وهو حلم بات يطارد كثيراً من الشباب، لكن باستخدام طرق غير صحية أو آمنة بهدف الثراء السريع، دون إدراك أنهم يقامرون بأغلى ما يملكون وهو صحتهم، فهم يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الصدرية المزمنة، بل وأحياناً الموت بسبب الانبعاثات السامة الشديدة التى تتم خلال عمليات الاستخراج. وحسب دراسة لجامعة الأمم المتحدة، ومعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث، والاتحاد الدولى للاتصالات، والجمعية الدولية للنفايات الصلبة بعنوان «رصد النفايات الإلكترونية فى العالم عام 2020»، فإن تعريف المخلفات الإلكترونية هو المنتجات الإلكترونية والكهربائية، التى تحتوى على دوائر كهربائية أو مكونات كهربائية مزودة بالطاقة أو لوحة إلكترونية وانتهى عمرها الافتراضى.

وأشارت الدراسة إلى أن حجم النفايات الإلكترونية فى العالم عام 2019 بلغ نحو 653 مليون طن، أى أكبر من 9 أضعاف وزن الهرم الأكبر فى مصر، وبمعدل 7.3 كيلوجرام للفرد، ومن المتوقع أن ينمو حجم المخلفات إلى74.7 مليون طن بحلول عام 2030. وقد حذرت الدراسة من أنه لا يعاد تجميع وتدوير المخلفات الإلكترونية رسمياً إلا بنسبة بسيطة لا يتعدى الـ17.4% منها، ففى عام 2019 لم يتم توثيق كيفية التخلص من 44.3 مليون طن من المخلفات الإلكترونية التى تم توليدها، إذ تم التخلص منها إما برميها فى مكب المخلفات أو حرقها أو المتاجرة فيها بشكل غير قانونى.

وفى مصر قد بلغ حجم النفايات الإلكترونية 586 طناً عام 2019، أى 5.9 كيلوجرام لكل نسمة، بينما وصل حجم النفايات الإلكترونية عام 2020 -بحسب إحصائيات وزارة البيئة- إلى 88 ألف طن.

المخلفات الإلكترونية ثروة تتخطى الملايين

لا يتوقف «إبراهيم جمال» عن نشر إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعى، لشراء المخلفات الإلكتروينة يومياً فى مختلف المجموعات الخاصة بالأجهزة الإلكترونية، ويحدد «إبراهيم»، الذى يعيش فى الزقازيق بمحافظة الشرقية، أنواع تلك المخلفات من «بورد كمبيوتر، موبايل، رامات، كروت هاردات، سى دى روم، علب البيئة، مكن تصوير، رسيفر، أفلام الأشعة». ومكسب «إبراهيم»، الحاصل على دبلوم تجارة، من جمع المخلفات الإلكترونية يتراوح من 100 إلى 200 ألف جنيه سنوياً، ويصل حجم المخلفات التى يجمعها خلال العام الواحد إلى 3 عربات نصف نقل ضخمة ويطلق عليها اسم «دبابة»، ويشير إلى أن الأرباح التى يجنيها سنوياً تختلف بحسب أسعار الذهب: «تجميع وبيع المخلفات الإلكترونية خصوصاً البوردات مرتبط بأسعار الذهب، لأن التجار فيما بينهم يعرفون أن الهدف الأساسى من جمعها هو الحصول على الذهب الذى يدخل فى مكوناتها، ثم انخفض سعرها مؤخراً بسبب وقف التصدير، وهو ما ساعد على انتشار عمليات الحل بين الشباب بكثرة».

«إبراهيم»: استخراج المعادن الثمينة يتم غالباً في مناطق غير سكنية بسبب خطر تصاعد أبخرة سامة في الهواء

يعرف «إبراهيم» أدق تفاصيل عمليات استخراج المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية، لأنه شارك بها بعض المرات، كما أنه يقوم حالياً بالبيع لمن يقوم بتلك العمليات: «فى الغالب تتم فى مناطق بعيدة غير آهلة بالسكان حرصاً على أن تتصاعد الأبخرة فى الهواء مباشرة ولا تمر على السكان، كما أنها تتم على أكثر من مرحلة، سواء كانت بشكل يدوى أو من خلال ماكينات».

طرق استخراج الذهب من المخلفات الإلكترونية

الطريقة الأولى لاستخراج الذهب والمعادن الثمينة بحسب «إبراهيم» هى الأكثر انتشاراً، وتعتمد على «ماكينات» يتم استيرادها من الصين، أو يلجأ البعض لصنعها بيده فى مصر، وتشمل عدة مراحل؛ أولاً تفكيك الأجهزة الإلكترونية أو الكهربائية من أجل استخراج «الدوائر الإلكترونية» الخاصة بالجهاز أو ما يطلق عليه العاملون فى المجال «البوردة» أو «الكارت». بعد التفكيك، تأتى مرحلة الحرق حيث يتم وضع «البوردات» و«اللوحات الإلكترونية» فى ماكينات تشبه برميل زيت سعته تتراوح من 2 إلى 4 لترات، ويتم استخدام أعلى درجات حرارة ممكنة ليتم تسييح «القصدير» فى البداية ثم بقية المعادن مثل النحاس والبلاديوم.

المرحلة الثالثة هى نظام فرز للمكونات التى تم استخراجها من المخلفات الإلكترونية وهى تتم من خلال ماكينات كما يصفها «إبراهيم» أشبه بـ«مناخل» ضخمة، ويصنعها البعض يدوياً، وأحجامها تتدرج من الأكبر للأصغر، وهى تفرز المعادن من خلال الهز المتواصل، ثم يتم تجميع المعادن المتشابهة معاً: «كل نوع من المعادن يتم جمعه وفرزه فى مكان مخصص له وحده، وما يتبقى هو الفايبر جلاس فيدخل فى ماكينات فرز لاستخراج طبقة النحاس الأحمر الموجودة على سطحه ثم ماكينة طحن، وفى النهاية يعاد تدويره واستخدامه فى صنع لعب الأطفال الموجودة بالملاهى».

المكافأة سبيكة ذهب خالص

بعد استخراج الذهب، بحسب «إبراهيم»، يتم تسبيكه فى «أفران» حتى يتحول إلى قطعة واحدة، وعند صاحب محل ذهب «معايرجى» يتم معايرة القطعة، حيث يحصل المالك على شهادة مختومة وبها معلومات عن قطعة الذهب سواء الوزن، العيار، كيفية الحصول عليها، ثم يتم دمغ قطعة الذهب وبالتالى يصبح من حقه بيعها فى أى مكان.

الموت مقابل الذهب

الطريقة الثانية بحسب «إبراهيم» أكثر بدائية، وهى الأخطر لأنها تتم فى مناطق سكنية، وتعتمد على استخدام محاليل ومواد كيميائية مثل الماء الكذاب وهو مزيج من حمض الهيدروكلوريك وحمض النيتريك فى استخراج الذهب والمعادن من المخلفات الإلكترونية: «يتم صنع الماكينات الخاصة بالطحن يدوياً، التى تعمل بالكهرباء حتى لو كانت لا تزيد على 220 فولت، واستخراج المعادن والذهب بهذه الطريقة يكون صعباً، لأنها بطيئة جداً، وتستهلك جهداً ووقتاً كبيراً فى مقابل إنتاج كميات قليلة تصل إلى 5 أو 6 بوردات أو لوحات إلكترونية كل ساعة، ثم يتم الاعتماد على المواد الكيميائية لفرز المعادن والذهب، المشكلة أن الشخص عليه الابتعاد قدر المستطاع عن الأبخرة، وإلا هلكت الرئتان تماماً، بل لو أصابت قطرة واحدة جسده، قد يتعرض للاحتراق، ولكن لم يعد الكثير يعمل بهذه الطريقة». ولا ينفى «إبراهيم» وقوع حالات وفاة خلال عملية استخراج الذهب من المخلفات الإلكترونية: «هناك حكاية عاصرتها وهى عن جار لنا توفى عندما كان يحل الذهب منذ 5 سنوات على سطح منزله، حيث خلط مياه النار بالماء الكذاب ولم يحمِ جهازه التنفسى من الأبخرة المتصاعدة، وتم نقله إلى المستشفى، ولكنه توفى سريعاً». ورغم نبرة الحزن التى تظهر فى صوت «إبراهيم» وهو يحكى عن الحالة التى توفيت، لكنه يرفض الاعتراف بخطورة المواد التى يتم استخدامها فى عمليات استخراج الذهب من المخلفات الإلكترونية بطريقة غير آمنة، وآثارها السلبية على صحة العاملين فيها على المدى الطويل، والتأثير الضار الذى يلحق بالبيئة، ويعتبر أن سبب الوفاة الحقيقى عدم العمل فى أماكن واسعة: «كل شىء حولنا ملوث، الحداد فى ورشة الحدادة يطلق غازات ملوثة للبيئة، المبيدات التى تستخدم فى التربة أحياناً تكون مسرطنة وتدمر الأرض الزراعية وتصيب الإنسان بالسرطان، لذا فمحاربة استخراج الذهب والمعادن من المخلفات لن تصلح البيئة التى هى أساساً تعانى من التلوث، أنا مثلاً على سبيل المثال أتعامل فى البوردة بيدى مباشرة، ولا أغسلها ثم أتناول الطعام ولم يحدث لى شىء حتى الآن، ومن حق الشباب أن يحلم بالثراء والغنى، لأن إشاعة فكرة التلوث الهدف الأساسى منها أن يحتكر البعض تلك المهنة ويحققوا هم الثروات».

النفايات القاتلة

نفى «إبراهيم» وجود آثار سلبية لاستخراج الذهب والمعادن بطريقة غير آمنة أو صحية يصطدم بدراسة مصرية بعنوان «حال تقنيات إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية»

دراسة لجامعة عين شمس: 1000 مادة سامة مرتبطة بالنفايات الإلكترونية.. والتعامل المباشر معها يسبب سرطان الرئة

صدرت عن جامعة عين شمس عام 2018، ونشرت فى مجلة «علوم البيئة وأبحاث التلوث» الصادرة عن الجمعية الكيميائية الأوروبية، وأشارت إلى أن هناك أكثر من 1000 مادة سامة مرتبطة بالنفايات الإلكترونية، وأن التعامل المباشر مع لوحات الدوائر المطبوعة يسبب سرطان الرئة وحساسية الجلد، أما إحراق لوحات المفاتيح فى الحاسبات الآلية، والأغطية البلاستيكية الخاصة بها وشاشات البولى فينيل كلوريد، فهو يؤدى إلى إطلاق كمية كبيرة من غاز كلوريد الهيدروجين الذى يشكل حمض الهيدروكلوريك بعد أن يندمج مع الرطوبة وهذا الحمض يمثل خطراً على الجهاز التنفسى.

وأفادت الدراسة بأنه رغم أن مصر تحتل المركز الأول فى الشرق الأوسط وأفريقيا كأكبر سوق لإنتاج المخلفات الإلكترونية، لكن هناك نقصاً فى الخبرات الفنية ذات الصلة بالإدارة، والمرافق، والمعدات الخاصة بإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية. وكشفت أن التخلص من النفايات الإلكترونية الخطرة فى مصر بشكل غير قانونى مع النفايات الصلبة الأخرى الخطرة وغير الخطرة قد يؤدى إلى إطلاق انبعاثات عالية السمية من الديوكسينات والفيوران والغازات الأخرى التى تنطوى على مخاطر جسيمة على صحة الإنسان والبيئة.

مخاطر العمل غير الرسمي

من جانبه اعتبر أحمد سالم، صاحب مصنع EERC، وهى الشركة المصرية لتدوير المخلفات الإلكترونية، أن المخاطر الناتجة عن استخراج الذهب والمعادن الثمينة من المخلفات الإلكترونية بطرق غير رسمية كبيرة، والسبب هو غياب إجراءات الحماية الضرورية، واحتياطات الأمان، والفلاتر: «للأسف من يدخل هذا المجال لا يهمه سوى البعد الاقتصادى، فأحياناً يعمل بعضهم فى المنازل فى حلل معدنية مثل المستخدمة فى الطهى، دون التفكير أن الأبخرة المتصاعدة تؤدى إلى تهتك فى الرئة أو السرطان أو الوفاة مباشرة، وهناك حالات وفاة شهيرة وقعت خلال عمليات حل تلك النفايات، والمقابل غير مُجدٍ، لأنه علمياً نسبة لا تقل عن 30% من الذهب تضيع عند استخدام طرق بدائية فى استخراجه».

ويعمل «أحمد»، 52 عاماً، فى مجال المخلفات الإلكترونية منذ 2010، ويعتمد مجموعة من الإجراءات المشددة فى مصنعه لحماية البيئة والعمال، منها توفير الفلاتر التى تعمل على تنقية الأبخرة المتصاعدة من عمليات التدوير لمنع تلوث الهواء، وعدم تدوير البطاريات ونقلها إلى مدافن صحية، أما بالنسبة للعاملين فهناك مجموعة من الأدوات التى يتم توفيرها لهم بشكل دورى ولا يمكن الاستغناء عنها خلال عمليات التدوير، مثل الأحذية، قفازات سميكة، أقنعة للوجه، سماعات للأذن لحمايتهم من الضوضاء المنبعثة من عمليات الطحن، «بالطو» سميك: «الخطر الأكبر هو أن من يعمل بطرق غير رسمية، يلجأ إلى ما نطلق عليه باللغة العامية (المية الكدابة) لاستخراج الذهب دون حماية، و(المية الكدابة) هى مواد كيميائية يدخل فيها السيانيد وهو مادة شديدة السمّية وإذا وصل مستوى القلوية فيها إلى درجة معينة، تصبح شديدة الخطورة، لذلك فنسبة 99% من العاملين بطرق غير رسمية مصابون بأمراض الرئة، وفى الحقيقة هم يعملون على موتهم بالبطىء».

حتى لا نكون مثل قرية «جويو»

وضرب «سالم» مثالاً بالقرية الصينية «GUIYU» أو جويو وهى قرية تقليدية لزراعة الأرز تقع فى الجنوب الشرقى لمقاطعة جوانجدونج، ويبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة، تحولت إلى موقع مكثف لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية بطرق غير رسمية أو آمنة منذ عام 1995، ولم يراع السكان اشتراطات الصحة وحماية البيئة، ما أدى إلى تلوث التربة بمركبات ثنائى الفينيل متعدد الكلور الأكثر سمية، والمعادن الثقيلة مثل الكروم والزنك والرصاص، وارتفاع تركيز الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، وهو نفس ما أشارت إليه ورقة بحثية بعنوان «تصدير المواد الكيميائية السامة، مراجعة حالة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية غير الخاضعة للرقابة»، التى صدرت عن جامعة هونج كونج بابتسيت عام 2007.

القانون هو الحل

ويرى «سالم» أن صدور قانون تنظيم المخلفات الإلكترونية رقم 202 لعام 2020، هو أهم حدث فى تلك الصناعة المستقبلية، لأنه يضع لها أسساً تنظيمية وقانونية، ويسهم تدريجياً فى منع عمليات استخراج الذهب التى تتم بشكل غير قانونى، وتتسبب فى تلوث البيئة، وتعريض حياة وصحة المواطن للخطر، وبذلك تسير مصر فى ركاب الدول المتقدمة.

الجمعيات الأهلية تحارب بسلاح التوعية

التوعية كانت وسيلة البعض للتعريف بخطر المخلفات الإلكترونية والتعامل معها بشكل غير آمن أو غير قانونى، مثل مبادرة «روبابيكيا كول» التى أطلقها إبراهيم شنودة رئيس مجلس إدارة جمعية «بيت على الصخر» بالتعاون مع مشروع إدارة المخلفات الطبية والإلكترونية التابع لوزارة البيئة، وبتمويل من «مرفق البيئة العالمية - برنامج المنح الصغيرة»: «كنت أدرس سوق المخلفات الصلبة فى مدينة الخصوص بالقليوبية، ووجدت أن تركيز الجمعيات الأهلية ينصب على المخلفات الصلبة، دون اهتمام بالمخلفات الإلكترونية أو الطبية، أو الإشارة لمخاطرها، وتقدمت بمشروع لوزارة البيئة من أجل نشر التوعية بشأن التعامل معها، وتدويرها بطريقة سليمة مع تقديم محفزات أو ما يطلق عليه مقايضة مجتمعية، وبدأت المبادرة منذ 4 أشهر، وكان الإطلاق الرسمى تزامناً مع الحملة التى أطلقتها وزارة البيئة للتخلص الآمن من النفايات الإلكترونية فى أبريل الماضى من خلال التطبيق الإلكترونى e tadweer». تعتمد المبادرة بحسب «شنودة» على محورين؛ التوعية والمقايضة المجتمعية: «التوعية الخطوة الأولى وهى تستهدف الناس البسيطة، لتعريفهم بمفهوم المخلفات الإلكترونية، ومخاطرها، وأهمية الفصل من المنبع، وتتم من خلال ندوات ودورات تدريبية، بالإضافة إلى توعية إلكترونية عبر الموقع الإلكترونى وصفحات التواصل الاجتماعى، والخطوة الثانية هى المقايضة المجتمعية، أو ما نطلق عليه محفزات، ويعنى تقديم سلع وخدمات وأحياناً خصومات على سلع إلكترونية جديدة من خلال التطبيق الإلكترونى e tadweer وذلك مقابل تسلم المخلف الإلكترونى، من قبل المواطنين وأصحاب ورش صيانة الأجهزة الإلكترونية، ثم نقوم بتسليمها للمصانع المتخصصة فى إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية».

يعتبر «شنودة» 36 عاماً، أن تعريف الناس بالخطر المحدق بهم خلال التعامل مع المخلفات الإلكترونية من قبل الدولة والمجتمع المدنى، يمثل خطوة مهمة تسبق أحياناً القوانين، لأن التوعية تحارب مفاهيم المجتمع البالية التى ترى فى تلك المخلفات «لقمة عيش» أو أن الدولة تحاربهم فى مصدر رزقهم: «فى الخصوص وهى المدينة الأعلى تلوثاً على مستوى مصر لأن بها منطقة الزرائب، كان بعض السكان يقومون بتفكيك التليفزيونات القديمة من أجل الحصول على مادة النحاس الموجودة بداخلها لبيعها والاستفادة بثمنها، ثم يتم إلقاء بقية الجهاز فى الشارع، بينما تقوم الورش وأصحاب المحلات بتجميع بقية تلك الأجهزة وإحراقها، وتلك السلوكيات لم تكن ستنتهى أبداً من خلال القوانين وحدها، بل من خلال التوعية بخطر التعامل المباشر مع المخلفات الإلكترونية، وأن هدف الدولة ليس قطع الأرزاق كما يتصور البعض، بل تعلم التخلص من تلك المخلفات بشكل آمن، والحفاظ على البيئة التى يعيشون فيها، أملاً فى حياة طويلة وصحة جيدة، بدلاً من سبيكة من ذهب قد لا يتمتع بها صاحبها أو ينفقها على علاجه فقط».

هذا التحقيق في إطار ورشة عمل مشروع «الصحافة والعلوم»، مشروع لمعهد جوته، بدعم من وزارة الخارجية الألمانية


مواضيع متعلقة