ضمان نجاح 30 يونيو

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

عمليات التطهير لا تتجزأ ولا تؤجل. وكلما تم تجزئتها أو تأجلت، زادت المشكلة وتوغلت. خذ عندك مثلاً بمناسبة الصيف وهجوم النمل الضارى فى البيوت. لو تم رش النمل وتنظيف المكان دون تقصى أثر بيت النمل حيث منبعه ومقره، فإن كل ما تقوم به من مهام رش وتنظيف يومية هو مجرد تسكين العرض وليس علاج المرض.

وبينما نحتفى ونتذكر مثل هذه الأيام قبل ثمانى سنوات بالتمام والكمال، علينا كذلك أن نتذكر أننا لم نتطرق بعد إلى مرحلة تطهير المنبع ورشه تماماً لاجتثاث هجوم النمل من منبعه. ليس هذا فقط، بل إن عملية تطهير المنبع لا تحمى مدى الحياة، بل تحتاج إلى استدامة لعمليات التطهير حتى تسد المنافذ التى تمكن النمل من معاودة الهجوم مجدداً.

تجديد العهد على الإبقاء على مصر دولة مدنية والإبقاء على جماعات الإسلام السياسى المخربة للعقول والمدمرة للقلوب محترفة النصب والاحتيال باستخدام عباءة الدين خارج حدود مصر الحديثة يستوجب منا ما هو أكبر وأعمق وأكثر استدامة من رفت موظفين ينتمون لجماعة إرهابية أو وقعوا صرعى سمومها الفكرية.

مثل هذه الأمور لن تؤتى إلا ثماراً أقبح على المدى الطويل، فكل من أولئك الذين ينتمون لجماعة ذات فكر مسموم يمثل أسرة. وكل أسرة تنظر إلى من يعولها باعتباره السند والقدوة والأمان. وبدلاً من تأليب أضعاف أعداد المبعدين عن أعمالهم ضد مصر المدنية الحديثة، فلنبدأ بالتطهير من هذه المنابع عبر تفكيك القنابل الفكرية بحنكة ثقافية وتعليمية ورياضية واجتماعية، لا بتوفير أجواء المزيد من التطرف والتشدد.

وللعلم، فإن مواجهة الفكر المتطرف وبذور الدولة الدينية التى تم زرعها قبل نصف قرن عبر فكر آخر يبدو أنه أقل تطرفاً أو ببذور أخرى مكتوب عليها «دولة دينية أقل تشدداً» ليس من الحكمة فى شىء، بل هو خراب جديد مستعجل.

استعجال نتائج أعظم ثورات مصر على الإطلاق فى 30 يونيو 2013 ليس مستحباً، لكن الاعتقاد بأن ما تم إنجازه فى مثل هذه الأيام قبل ثمانى سنوات يكفى هو اعتقاد خاطئ ومميت. لقد بدأنا الطريق، لكنه طويل ويحتاج لجهد مستمر ومعرفة بأن النتائج الفعلية لن تظهر إلا بعد حين.

ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر سلسلة محلات ملابس ومفروشات وأجهزة منزلية انتشرت فى ربوع مصر على مدار عقود مضت. والقاصى قبل الدانى يعرف أن هذه المحلات «متأسلمة» بمعنى أن صاحبها «شيخ» اعتاد الزواج المتكرر، حتى إنه جمع بين خمس زوجات فى وقت واحد فى عام 2003، وكل من يعمل فى متاجره شباب ملتحون بما فى ذلك قسم الملابس الداخلية النسائية، وأنه يتم إغلاق المحلات وقت الصلاة إذ توقف عمليات البيع والشراء ويدور أحد الموظفين على زملائه ليذكر من نسى بصلاة الجماعة، ناهيك عن اتهامات وُجهت إليه، من بينها موالاة جماعة إرهابية والمشاركة فى تمويلها.

العديد من فروع المحلات تم إغلاقها، لكن ياترى ما مصير مئات الموظفين الذين كانوا يعلمون فيها؟ كل موظف له أسرة، وعلى الأرجح تنتمى الأسرة برمتها للفكر ذاته، فهل نقبض عليهم جميعاً أم تتم مداهمة أوكار الفكر الإجرامى بالتطهير والتنظيف وضمان استدامة التعقيم لضمان نجاح 30 يونيو؟