هاتوا معكم «بابا جان»
نسيت أن أبلغ الوفد المرافق للرئيس مرسى أن يسألوا إن كان من الممكن أن يوقعوا عقد احتراف مع «على بابا جان» نائب رئيس الوزراء التركى للشئون الاقتصادية، والخبير الاقتصادى ذى الخمسة وأربعين سنة. هذا رجل مهم، وعقلية اقتصادية جيدة. وقد اكتسب مهارة مهمة وهى كيفية المشاركة فى بناء نهضة اقتصادية حقيقية جعلت تركيا تتحول خلال أقل من 10 سنوات من دولة فى وضع اقتصادى أصعب من الوضع الاقتصادى المصرى لأن تصبح صاحبة الاقتصاد رقم 17 على مستوى العالم. ومن لقاءات متعددة مع الرجل كان كلامه يدور حول عدد من المفاتيح التى ينبغى أن نأخذها بجدية، وها هو بعض منها.
أولا: لا تصدر موارد الدولة خاما للخارج. إقامة صناعات وطنية قادرة على الاستفادة من المواد الخام المحلية وتصديرها للعالم الخارجى لا بد أن تكون من بديهيات أى تخطيط مستقبلى. بدلا من تصدير السلع الغذائية خاما للخارج، ندعم الصناعات الغذائية على النحو الذى يجعلنا نصدرها سلعا شبه تامة الصنع ونستفيد فى الداخل من عوائد التصنيع فى صورة استثمارات أكثر وعمالة أكثر وعائدات للدولة أكثر فى صورة ضرائب.
ثانيا: لا بد من دعم الصناعات والتصدير وتذليل العقبات البيروقراطية والموافقات الشكلية على إنشاء أى مصانع أو شركات جديدة. عدد الأيام التى يحتاجها المستثمر (الكبير أو الصغير) لإقامة مؤسسته يجب أن تكون مساوية أو أقل من الدول المنافسة فى المنطقة، ومن مهام الحكومة كذلك أن تضمن «عدالة المنافسة» بين منشآت وشركات القطاع الخاص.
ثالثا: فى البداية ستضطر الدولة للاستثمار فى المجالات التى يعانى فيها المواطنون من التردى الشديد وعلى رأسها التعليم والصحة. وفقا لعلى بابا جان، فإن تركيا قامت بتوفير ميزانية خاصة لوزارة الصحة تراقب شهريا، وعمل نظام مستحدث لمراقبة أداء الأطباء وربط المرتبات بعدد المرضى. وقامت الحكومة بالنيابة عن الشعب فى «التفاوض والمساومة» مع شركات الدواء لضمان وصول الأدوية بسعر معقول للمواطنين.
كما اضطرت حكومة العدالة والتنمية، والكلام لبابا جان، أن تضخ استثمارات جديدة فى المبانى التعليمية وخفض الكثافة الطلابية فى الفصول. بل إن الحكومة كانت ولم تزل تغرى الأمهات بإرسال بناتهن إلى المدارس بدفع مقابل مالى لهن، وتعطى الأموال للأمهات وليس للآباء. ويكون المقابل المالى للبنات أكبر منه للأولاد. كما تمت إعادة النظر تماما فى المقررات لربطها بالمهارات والتخصصات التى تحتاجها سوق العمل. ولأهمية التعليم كان هو البند الأول فى الميزانية من حيث الإنفاق طوال فترة حكم العدالة والتنمية.
رابعا: من حيث الإنفاق، يكون التركيز على التعليم ثم الصحة ثم البنية التحتية للمواصلات لأن مع كل طريق جديد تكون هناك آلاف الفرص للاستثمار وبناء مجتمعات جديدة. وكان قطاع التشييد والبناء ولم يزل قطاعا رائدا فى التشغيل باعتباره قطاعا كثيف العمالة.
خامسا: الاهتمام بالزراعة والمزارعين قضية ذات أولوية كبيرة من وجهة نظر بابا جان. ولا يمكن ترك السلع الزراعية الاستراتيجية لاعتبارات العرض والطلب المعتادة فى اقتصادات السوق. يقول بابا جان، من المهم أن تقوم الدولة بإعادة توجيه وتحفيز المزارعين وفقا لخطة زراعية منسقة مركزيا لضمان أن يكون هناك تخطيط بدلا من العشوائية التى تدار بها القرارات الزراعية.
سادسا: اهتمت الحكومة التركية بالاستثمار فى الطاقة حتى مرحلة معينة ثم تركت هذا الموضوع تماما الآن للقطاع الخاص، ولا يشغل بند الطاقة قيمة كبرى فى الموازنة العامة للدولة فى تركيا فى آخر خمس سنوات.
كتالوج التقدم فى العالم متشابه، نحن بحاجة لأن نعرف بوجوده، وأن نقرأه، وأن نتأمله، وأن نطبق ما فيه. قولوا يا رب.