«الوطن» على قضبان قطار حلوان.. فوضى عارمة وإنذار بكارثة جديدة

كتب: أحمد عصر وكريم عثمان

«الوطن» على قضبان قطار حلوان.. فوضى عارمة وإنذار بكارثة جديدة

«الوطن» على قضبان قطار حلوان.. فوضى عارمة وإنذار بكارثة جديدة

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساءً، الهدوء يخيم على منطقة عرب كفر العلو بمدينة حلوان، قبل أن يكسر هذا السكون، صوت ارتطام شديد، صاحبه صرخات واستغاثات عدة، خرج إثرها الأهالي من بيوتهم فزعين، يحاولون استكشاف الأمر، ليجدوا أمامهم كارثة، قطار حلوان الذي اعتادوا مروره من أمام منازلهم، اصطدم بحافلتين «ميني باص»، ما أدى إلى وقوع حالتي وفاة و6 إصابات، بحسب البيان الرسمي لوزارة الصحة.

منازل ملاصقة لقضبان السكة الحديد

مشهد الدم سيطر على المكان، ومرت ليلة صعبة على سكان منطقة عرب كفر العلو، حتى رفع ركام الحادث، إلا أن ما وقع هذه الليلة، لم يكن مجرد حادث عابر، فهذه المنطقة، وغيرها من المناطق الأخرى المجاورة والملاصقة لقضبان السكة الحديد، ربما تنذر بكوارث أخرى مشابهة، فوضع المنازل فيها، رغم قدمها، لا يدل على أن سكانها في أمان حال مرور هذا القطار، حيث لا يفصلها عن قضبان السكة الحديد سوى بضعة أمتار، من بين المنازل المتراصة على الجانبين، تمر القضبان دون وجود أي من سبل الحماية والأمان.

والد سائق «الميني باص»: ساعد الركاب يهربوا.. والناس بتحلف بأخلاقه

مجموعة من الشباب يستندون على سيارة تقف أمام ناصية شارع سليمان ناصر بكفر العلو، يتبادلون الحديث حول أحوال المنطقة، ولا صوت يعلو فوق صوت حادث القطار الذي أفزعهم أمس، خاصة أن منزل سائق السيارة «الميني باص» التي اصطدم بها القطار، يوجد على بعد أمتار من مكانهم، يتحدثون عن أحوال أهله التي ساءت بعد الحادث، ويشيرون بإيديهم إلى بيته الذي هيمن الحزن على محيطه.

شارع متواضع، يسوده الهدوء، بالسير فيه يظهر منزل السائق، يبدو قديما وبسيطًا، يعلوه لافتة ملامحها شبه مبهمة، بالكاد يظهر منها رقم 3 للمنزل، وأمامه يقف رجلان من أقارب السائق في صمت جاءا لطمأنة أهله، ليودعهما مؤمن رمضان عبدالرسول، والد السائق، وفمه يتمتم بدعوات «ربنا يجيبه بالسلامة.. إن شاء الله خير».

بقلب يعتصر الحزن، تحدث «الحاج مؤمن» والد «سالم» سائق «الميني باص»، عما حدث بعد علمه بحادث القطار، قائلًا: إن الأمن طلب حضور أشقاء «سالم» معه، من أجل استكمال التحقيقات في الواقعة، وتركوا معه الأطفال الصغار يرعاهم حتى عودة آبائهم، ويتحسر على ابنه وأخلاقه التي يتعامل بها مع الجميع، و«انضباطه في عمله طيلة حياته».

يحاول الرجل المسن أن يتماسك، ويكمل حديثه بكلمات متلعثمة، موضحًا أن أتوبيس نجله أصابه عطلًا، وحينما جاءت لحظة اقتراب القطار، صرخ في وجه الركاب لكي يفروا من الخطر، «نزّلهم كلهم، وفضل هو آخر واحد بيحاول يسوق الأتوبيس ويمشيه، لحد ما الستات اللي كانوا معاه نفسهم، خدوه من إيده ونزلوه».

شقيق سائق «الميني باص»: أخي لم يخطئ وجميع سيارات المنطقة تخرج من المكان ذاته

أيمن مؤمن، محام، وشقيق سائق الحافلة التي اصطدمت بالقطار، يقول إن أخيه يعمل على هذا الخط بالطريقة ذاتها منذ سنوات طويلة، موضحًا أن هناك طريقًا جانبية ملاصقة لشريط السكة الحديد، تسير فيها جميع السيارات، معبرًا عن ذلك بقوله: «مافيش مزلقان في المكان ده، وده طريق جانبي بين البيوت وبين السكة الحديد، كل عربيات المنطقة بتطلع من المكان ده طول اليوم».

يرى «مؤمن»، أن شقيقه لم يرتكب خطأ في هذا الحادث، خاصة بعدما تعطلت منه الحافلة على قضبان السكة الحديد، مشيرًا إلى أن شقيقه سلم نفسه للأمن بعد وقوع الحادث مباشرة، وهو الآن متحفظ عليه داخل ديوان قسم شرطة حلوان، مضيفًا: «الحادث ده قضاء وقدر وبتحصل كل يوم، وإحنا بنثق في قضاء الله ده أولا، ثم بنثق في القضاء العادل بتاعنا».

حادث قطار حلوان لم يكن الأول

شهود العيان، من أهالي منطقة عرب كفر العلو، قالوا إن هذا الحادث لم يكن الأول في المنطقة، إلا أن الحوادث السابقة له، لم تكن حوادث تصادم، ولم تخلف هذا القدر من الضحايا، وإنما كانت حوادث دهس فقط، الأمر الذي حكى عنه الثلاثيني سيد علي، نجار موبيليا من سكان المنطقة، حيث قال إن المنطقة ذاتها شهدت حادثي دهس خلال الأعوام القليلة الماضية.

منازل مخالفة وأخرى معترف بها من الدولة

انقسمت المنازل في منطقة عرب كفر العلو، حيث موقع الحادث، إلى قسمين، الأول منهما المنازل غرب السكة الحديد، والأخرى شرقها، يقول علي عبد الله، شاب ثلاثيني من سكان المنطقة، وكان من بين شهود العيان على الحادث، إنه وأسرته يعيشون في هذه المنطقة منذ ما يزيد عن 40 عامًا.

وأوضح «علي»، أن جميع المنازل الموجودة غرب السكة الحديد، منازل معترف بها من الدولة، ويملك أصحابها عقودًا لها، كما تتمتع هذه المنازل بكل المرافق من مياه وكهرباء وغاز طبيعي، بينما كان الجانب الآخر، شرق السكة الحديد، كله مخالف، ليعبر عن ذلك بقوله: «بيوتنا لو كانت مخالفة مكانوش وصلوا لنا مرافق، لكن البيوت اللي شرق السكة الحديد هي اللي متاخدة وضع يد، والكلام ده عدى عليه حوالي 15 سنة، كل واحد بنى قصاد بيته بنفس المساحة من الناحية التانية للسكة الحديد».

يرى «علي»، أن الحل لا يكمن في ترحيل أهالي هذه المنطقة وهدم منازلهم، فهو حل «مكلف على الدولة» على حد تعبيره، وإنما عرض حلا آخر، يراه من وجهة نظره هو الأنسب للجميع: «الوصلة اللي عاملة المشكلة ديه في حدود 3 كيلو، وفيه قصادها من الناحية التانية سكة حديد ملغية، فالأسهل والأوفر للدولة من إنهم يمشوا الناس، إنهم يزيلوا كل المخالف اللي موجود في شرق السكة، وينقلوا وصلة السكة الحديد اللي قصاد البيوت للوصلة التانية اللي ملغية، وبكده يكون بعدها حوالي 30 متر وحل المشكلة».

أمل أهالي كفر العلو.. حكاية سور قصير بني على شريط السكة الحديد لحمايتهم من القطارات 

على مسافة تبعد نحو 100 متر من موقع تصادم القطار، يركض طفل صغير نحو سور متوسط الارتفاع، مستغلا خفة حركته في الصعود على الحجارة، التي تمكنه من تسلق السور، يجلس فوقه خلسة، يراقب بعينيه المشهد أمامه، سيارة ميني باص مدهوسة على يمينه، ومنزل من طابقين منها على يساره، وأمامه شريطان متوازيان من قضبان السكة الحديد، وتحت قدميه سور تعلق به أهل كفر العلو وكأنه «قشاية الغريق» التي ستنقذهم من ترك منازلهم.

أجزاء بسيطة بُنيت من السور الموازي لشريط السكة الحديد من الحي، شعر معها الأهالي بالأمان، وأنهم أخيرًا وجدوا ما يحول بين أطفالهم وبين قطارات البضائع المارة، لكن ودون أسباب واضحة، توقف بناء السور، واقتصر على جزء بسيط فقط لا يتعدى طوله 15 مترًا فقط، حسبما قالت السيدة سعدية محمود سعيد عبدالعال، إحدى سكان المنطقة، لافتة إلى أن استكمال بناء السور كان سيمنع الأزمة التي حدثت.

السيدة الخمسينية أكملت حديثها، بأن أهالي المنطقة، وبالأخص المجاورين لشريط السكة الحديد، استكملوا بناء السور بسواعدهم، «جبنا أسمنت ورملة وطوب وحاولنا نكمل السور على قد ما قدرنا، لكن معرفناش نكمله لوحدنا ووقفنا بعد مسافة صغيرة».

يلتقط الشاب سيد علي، أطراف الحديث من «الحاجة سعدية»، موضحًا أنه كان من المقرر أن يتم استكمال السور من قبل المسؤولين ليكون حدًا فاصلًا بين المنازل وخط سير القطارات، خاصة أن الأمر ليس صعبا على حد قوله، بل يمكن استكماله على طول الطريق لحماية الأهالي من الحوادث، وهو ما دفعهم بعدها لمحاولة استكماله.

يضع ابن كفر العلو آماله في حل أزمة إزالة المنازل المحيطة على ذلك السور البسيط، حيث يرى فيه الأمان للمنازل المحيطة والأطفال، «أملنا إن السور يتبني لأنه هيمنع أي حوادث تحصل، وهيفصل بين البيوت والقطارات اللي بتمر».


مواضيع متعلقة