سياسة أخلاقية.. الالتزام المصرى تجاه القضية الفلسطينية
خلال حرب غزة الأخيرة، والتى استمرت لمدة 11 يوماً (10 - 21 مايو 2021م)، ومع اندلاع المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس، شهد العالم دوراً مصرياً فاعلاً أسفر عن وقف إطلاق النار.
ولم يقف الدور المصرى عند هذا الحد، وإنما بادرت القيادة المصرية بالإعلان عن مبادرة غير مسبوقة بالإسهام فى إعادة إعمار غزة عبر التبرع بخمسمائة مليون دولار.
كذلك تبذل القيادة السياسية المصرية جهوداً حثيثة نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطينى، من خلال استضافة اجتماعات الحوار الفلسطينى فى القاهرة. وتعليقاً على ذلك، وعلى حد قول أحد الكتّاب، فقد استغرب الكثيرون أن تُظهر مصر اهتماماً لافتاً بغزة بعد أن تعرضت للعدوان الإسرائيلى.
والواقع أن السلوك المصرى فى هذا الشأن ليس جديداً ولا مستغرباً، ففى مذكراته الصادرة تحت عنوان «بين النيل والقدس.. يوميات دبلوماسى مصرى»، أشار الدكتور بطرس بطرس غالى إلى سلوك مماثل بعد فترة المقاطعة العربية لمصر على أثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وما صاحبها من سلوكيات سلبية صادرة عن القيادات الفلسطينية آنذاك تجاه مصر.
إذ يقول وزير الدولة للشئون الخارجية الأسبق والأمين العام الأسبق للأمم المتحدة: «لقد كان الاستمرار فى تقديم دعم مصر للشعب الفلسطينى أمراً فى غاية الصعوبة، فياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية كانا قد ابتهجا لاغتيال السادات واحتفلا به باعتباره انتصاراً لحركة المقاومة الفلسطينية.
فى الوقت نفسه، فإن المفاوضات مع الإسرائيليين حول الحكم الذاتى الفلسطينى لم تحرز أى تقدم، وبدت هذه المفاوضات شكلية بالنظر إلى أن الأردنيين والفلسطينيين لم يشاركوا فيها. وكنا دائماً ما نبرر غيابهم من خلال تصريحات صحفية متوالية تفيد بأن سيشارك الأردنيون والفلسطينيون فى المفاوضات عندما نحصل على نتائج ملموسة.
وفى الوقت نفسه كنا نوحى بوجود اتصالات سرية مع القيادات الفلسطينية. وفى يوم الخميس 22 ديسمبر 1983، التقى الرئيس مبارك بياسر عرفات فى قصر القبة، وكان هذا اللقاء هو الذى سمح بتحقيق المصالحة بين مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد هزيمة ياسر عرفات فى بيروت كان عليه أن يغادرها، وفى الوقت نفسه كان محتاجاً للدعم المصرى إذا ما كان له أن يحصل على لجوء مؤقت لليمن. وتناست مصر -بشهامة وكرم- كل الشتائم والإهانات التى وجهها ياسر عرفات إليها، وقدمت له دعماً، كان سياسياً فى المقام الأول، خلال السنوات التالية».
وهكذا، فإن المتأمل فى السياسة المصرية عبر تاريخها الطويل، يجدها تجسد سلوكاً حضارياً وحضوراً أخلاقياً والتزاماً دائماً تجاه القضية الفلسطينية، بغضّ النظر عن سلوك بعض الحركات والفصائل الفلسطينية وتصرفاتها السلبية تجاه مصر.
والأهم من كل ما سبق أن السياسة المتبعة من قبَل الحكومة المصرية فى مواجهة التصرفات العدوانية التى تلجأ إليها بعض الحركات والفصائل الفلسطينية تجاه مصر تحدث بطريقة راقية ومتحضرة ودونما إثارة أو نبش فى الماضى. وفى ذلك تطبيق عملى للقاعدة الأخلاقية: «لا تُشن وجه العفو بالتأنيب».