الواسطى.. جزيرة يحيطها الموت والرصاص من كل جانب

كتب: سعاد أحمد

الواسطى.. جزيرة يحيطها الموت والرصاص من كل جانب

الواسطى.. جزيرة يحيطها الموت والرصاص من كل جانب

هناك فى أقصى الصعيد بين الفقراء والمكلومين كان مواطنون يتلمسون عدلاً اجتماعياً يكون بارقة أمل للمهمشين، وعدلاً قضائياً يكون بلسماً يوقف نزيف المصابين، وينزل السكينة والراحة، ويرد حقوق المظلومين، لكن أقدارهم منعتهم من ذلك، فقد كانت بلدتهم الصغيرة التى يحوطها نهر النيل تمتلئ بالسلاح والمخدرات والبلطجة، وتستنسخ جزيرة النخيلة من جديد، بعيداً عن عيون الأمن والسلطة، والدستور والقانون. إنها جزيرة «الواسطى» التى تقع فى وسط نهر النيل على مسافة 10 كيلومترات من مدينة أسيوط، وتمتلئ بكل أنواع الأسلحة والمخدرات، وتتلبد لياليها بطلقات الرصاص، ويسوّد نهارها بدماء القتلى والمصابين. أهالى جزيرة الواسطى فى حديثهم مع «الوطن» أكدوا أن جزيرتهم شكلت خطورة أكبرمن جزيرة «عزت حنفى» فى النخيلة، مقارنين بين صراع عائلتى «على حنفى» و«سباق» وصراع عائلتى «الملايخة» و«الدواينة» بجزيرتهم.[Quote_1] أما السلاح فى جزيرة الواسطى «على عينك يا تاجر»، وبمختلف أنواعه «بيع، شراء، استبدال، تأجير» تجده مع الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم العاشرة، وأكمنة على أول الطريق، رجال مدججون بالسلاح، وأبراج أعلى المنازل، وطلقات النيران التى تطلق بين الحين والآخر. ولا تخلو منازل عائلتى «الملايخة» و«الدواينة» من وجود قتيل بسبب الثأر بينهما، حتى وصل عدد القتلى لأكثر من 10 قتلى فى 3 أشهر، أما المصابون فلا حصر لهم، والأمر الأكثر فظاظة يتمثل فى مقتل وإصابة أناس لا ذنب لهم إلا أنهم من أهل القرية حيث تصادف مرورهم وقت إطلاق النار، فأصيبوا بطلق قاتل طائش. لا توجد مسافة بين الجزيرة وبين مدينة أسيوط سوى 7 كيلومترات، يحيط بها الماء من كل جانب، ويبلغ عدد سكانها 10 آلاف مواطن، منعدمة المرافق، لا يوجد بها أى وسيلة مواصلات سوى «الأتوبيس النهرى» الذى يتوقف تماماً عند الغروب. يقول منتصر يوسف فرغلى «موظف بمجلس مدينة الفتح - من أهالى الجزيرة»: إننا فى القرية نعيش فى زمن العصور الوسطى المتخلفة، من ثأر وجهل وبلطجة، وفرض إتاوات على الأهالى، ولا يستطيع أحد الخروج من منزله بعد الغروب على الرغم من كوننا أقرب قرية لمدينة أسيوط. وأضاف: إننا طالبنا المسئولين أكثر من مرة بالنظر إلينا بعين الرحمة وأرسلت 120 «فاكس» لوزير الداخلية بضرورة وجود نقطة شرطة أو أى وجود أمنى بالجزيرة ولكن لا حياة لمن تنادى، مشيراً إلى أن الدولة نفذت حملة قضت فيها على جزيرة النخيلة، رغم أن «النخيلة» أقل بكثير مما نحن فيه.[Quote_2] وقال: إن عائلتى «الملايخة» و«الدواينة» لم تتفقا على أمر واحد على الإطلاق، سوى من شهرين فقط، عندما نفذت قوات الأمن عدة حملات أمنية شنتها على القرية راح ضحيتها 2 من أبناء «يوسف» فى تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، وهذه كانت المرة الوحيدة التى اتفقت فيها العائلتان على شىء واحد، وهو مهاجمة الشرطة. وحكى الأهالى أن الصراع بين العائلتين يرجع تاريخه إلى عام 1974 عندما نشبت مشاجرة بينهما بسبب خلاف على الصيد، وقتل أحد أبناء «الملايخة» شاباً من «الدواينة» وتم الحكم عليه بالمؤبد «25 عاماً»، وعقب خروجه تم عقد جلسة صلح عرفية، وحمل القاتل الكفن وقدمه لكبير «الدواينة»، وأثناء مرور أحد أبناء «الدواينة» أمام منزله ظناً منه أنه سيقتله أطلق عليه الرصاص وقتله، فإذا بأبناء «الدواينة» يقتحمون منازل «الملايخة» بـ«الجرينوف» ويقتلون منهم 4 ويصيبون 5، وعلى أثرها قام الآخرون بالرد وقتلوا من «الدواينة» عدداً كبيراً، من بينهم امرأة حامل فى شهرها الأخير. وقال أحد الأهالى -رفض ذكر اسمه- إن أكثر من 30 من أطفال القرية أصابهم مرض التشنج، بسبب طلقات النيران المستمرة، مؤكداً أن المشكلة لا تقف عند طلقات النيران التى لا تتوقف وتهديدها للأرواح، بل وصلت إلى مستقبل أبناء القرية، ففى مدرسة جزيرة الواسطى الابتدائية يوجد عجز فى كثير من مدرسى العلوم والرياضة والأنشطة بسبب خوفهم من الجزيرة، نظراً لتهديدهم، علاوة على وابل الرصاص القريب من نوافذ الفصول.[Quote_3] وتابع أحد المدرسين بالمدرسة -رفض أيضاً ذكر اسمه- قائلاً: إن وضع الجزيرة أدى إلى هروب المدرسين: «كل مدرس ييجى يوم وما نشوفهوش تانى»، لأن المدرسة تقع فى بؤرة الأحداث، فيجاورها من الناحية القبلية عائلة «الملايخة»، ومن الناحية البحرية عائلة «الدواينة»، وأعلى منزل هؤلاء «رشاش»، وأعلى منزل الآخرين «رشاش» آخر، والمدرسة فى المنتصف، وكثيراً ما نتصل بالشرطة عند بدء إطلاق النار، ولا تأتى أبداً، إلا إذا حدثت وفيات. وتقول أميرة «مدرسة إنجليزى بالمدرسة - من قرية الواسطى»، حدث بعد انتهاء أول يوم فى العام الدراسى وأثناء سيرى وزميلة لى كانت معى اسمها ماريانا (حامل)، فوجئنا بوابل من الطلقات النارية من الناحيتين، الأمر الذى أدى إلى دخولنا أحد منازل القرية حتى ينتهى إطلاق النار، ونتج عنه إجهاض زميلتى. ويضيف أحد المعلمين ويقول: «فى الشهر الماضى قتلت سيدة حامل فى الشهر التاسع، وكانت حاملاً فى توأم، فهل هذه من الإنسانية أو من أصول الثأر؟»، علاوة على مقتل سيدة عقب عودتها من أداء فريضة الحج فى العام الماضى. وتقول مديرة المدرسة: «فى العام الماضى وكيل الوزارة قرر وقف الدراسة فى المدرسة لمدة أسبوع، نتيجة لما يحدث فى القرية التى لا يخلو يوم فيها من طلقات نيران يروح ضحيتها أناس كثيرون». وتضيف: «المدرسة تضم أبناء العائلتين وعداء الكبار انتقل لأبنائهم، ودورنا فى المدرسة بنحاول عدم خروج هذا الخلاف إلى خارج المدرسة، وأثناء حواراتى بالمدرسة، فوجئت بمدرس يدخل علينا وينصحنى بالخروج من الجزيرة لأن الوضع بدأ يبدو غير عادى، وكأنهم سيبدأون إطلاق النيران، وبهذا أنهيت زيارتى للجزيرة». ومن جانب آخر، يؤكد المقدم محسن شريت، رئيس مباحث الفتح، أن الحملات الأمنية على الجزيرة مستمرة، ونقوم بعمل دوريات أمنية يومية، واستطعنا جمع العديد من الأسلحة من أفراد العائلتين خلال الفترة الماضية، وأن ما يحدث فى الجزيرة خلاف ثأرى لا يختلف عن بقية القرى، غير أن موقعها كجزيرة هو ما يصور للناس أن وضعها مخيف وهذا عارٍ من الصحة تماماً.