سد النهضة.. و100 سد أخرى
قبل عدة أيام، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد أن بلاده ستنشئ خلال العام المالى الجديد 100 سد متوسط وصغير فى مناطق مختلفة من البلاد. وبعيداً عما قاله البعض من أن هذا الإعلان هو للاستهلاك الداخلى فقط، وأن قدرات إثيوبيا المالية والفنية، ناهيك عما تعانيه من اضطرابات ومشاكل ضخمة وعدم استقرار سياسى واضح، تجعل هذا الكلام ضرباً من ضروب الخيال. وبعيداً أيضاً عما قيل من أن إقامة مثل هذه السدود لن تؤثر على ما سيصل مصر من مياه النيل. فإن مجرد الإعلان عن هذا، فى مثل هذا التوقيت الذى تتصاعد فيه حدة الخلاف بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر حول سد النهضة، إنما يؤكد مجموعة من المعانى التى سنرصدها فى هذا المقال.أولاً: يؤكد هذا الإعلان بوضوح لا لبس فيه سوء نية الجانب الإثيوبى فيما يتعلق بالتعامل مع ملف مياه الأنهار الدولية التى تنبع فى أراضيها، وهو ما أبان عنه موقفها فى علاقتها مع جارتها كينيا من قبل، حيث شيدت إثيوبيا منفردة أربعة سدود على نهر أومو المشترك بينها وبين كينيا لتوليد الكهرباء وزراعة مساحات كبيرة من قصب السكر، وهو ما أدى إلى تعرض مساحات كبيرة من الجانب الكينى للجفاف وتهجير السكان، كما أبان عنه عقد كامل من المفاوضات السقيمة حول سد النهضة كان من بينه ست سنوات كاملة فى أعقاب ما أبدته مصر من حسن نية كامل بتوقيعها على إعلان المبادئ فى مارس 2015. وأكده من قبل أيضاً وبما لا يدع مجالاً للشك تصريح وزير الخارجية الإثيوبى بمناسبة الملء الأول لسد النهضة أواسط العام الماضى، حين قال «سابقاً كان النيل يتدفق، والآن أصبح فى بحيرة، ومنها ستحصل إثيوبيا على تنميتها المنشودة.. فى الحقيقة.. النيل لنا».ثانياً: معلوم أن إقامة سدود أو غيرها من المشاريع على المجرى الرئيسى للنهر الدولى أو على أىٍّ من فروعه أو روافده فى دول المنابع ودول المجرى الأوسط إنما تحكمها قاعدة أساسية من قواعد القانون الدولى المستقرة والمسلم بها فى هذا الصدد، وهى قاعدة أو مبدأ الإخطار المسبق، وفقاً للشروط والضوابط المحددة لهذا الإخطار كما وردت فى مبادئ هلسنكى لعام 1966، وأكدتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجارى المائية الدولية فى غير أغراض الملاحة لعام 1997، ووردت الإشارة إليها تفصيلاً فى كافة الأحكام القضائية الدولية ذات الصلة. والحق أن إثيوبيا لم تلتزم بالإخطار المسبق فيما مضى من حالات، وعلى رأسها حالة سد النهضة. وتقول، ضمناً، بإعلانها المشار إليه إنها لن تخطر أحداً بما ستنشئه من سدود على الأنهار الجارية فى أراضيها، إذ هى من وجهة نظرها ملك لها، وليست أنهاراً دولية تتشارك فيها دول عدة تقوم حياة بعض شعوبها عليها جملة وتفصيلاً.ثالثاً: من غير المتوقع أن تمتثل الحكومة الإثيوبية الحالية، وهى التى تخالف قواعد القانون الدولى جهاراً نهاراً فى شأن نهر النيل وسد النهضة وفى شأن الإبادة الجماعية التى تمارسها بحق بعض العرقيات المكونة لها كما هو الحال فى تعاملها مع سكان إقليم التجراى وغيرها، أقول إنه من غير المتوقع أن تمتثل لقواعد القانون الدولى المنظمة لاستخدام الأنهار الدولية من تلقاء نفسها. ومن ثم فإنه لا بد من وسيلة - أو أكثر - من وسائل الضغط التى تجبر هذه الحكومة على الاستماع لصوت العقل، وتجنب ما لا تحمد عقباه. وهنا فإنه على الدول الكبرى المؤثرة التى لا تولى الأمر ما يستحق من العناية والاهتمام أن تضع نفسها مكان مصر والسودان، ثم تتساءل ماذا كنا سنفعل لو كنا فى مثل هذه الحال؟ هل نترك مصدر حياتنا وسر وجودنا فى يد الغير يفعل فيه وفينا ما يشاء؟ أم أن هذا دونه القبر؟فليضطلع المجتمع الدولى بدوره المفترض فى حفظ السلم والأمن الدوليين، أو فلا يلومن إلا نفسه.