رؤيتي لبلادي. مصر فوق السحاب (11) التعليم الجامعي
تتضمن الرؤية فى مجال التعليم الجامعى إعادة النظر فى كثير مما ورثناه عن أجدادنا العظام الذين أسّسوا المدارس العليا (الكليات) فى النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ وأنشأوا الجامعة الأهلية، التى أصبحت جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، ثم جامعات فاروق (الإسكندرية)، وإبراهيم باشا (عين شمس)، ومحمد على (أسيوط) خلال النصف الأول من القرن العشرين. وقد استمرّت الرؤية التى تأسّست انطلاقاً منها المدارس العليا والجامعات الأربع الأولى فى الجامعات التى أنشئت فى باقى المحافظات المصرية خلال النصف الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، خلا استثناءات طفيفة. فقد تكرر تأسيس كليات الآداب والتربية والحقوق والتجارة، إلى جانب كليات الطب والطب البيطرى وطب الأسنان والصيدلة، والهندسة والعلوم والزراعة، وضمّت معظم الكليات فى الجامعات التى تم إنشاؤها حديثاً الأقسام نفسها القائمة فى المدارس العليا والكليات المناظرة بعد مُضى أكثر من مائة عام فى بعض التخصصات.
ومن المثير للدهشة أن المسميات الموروثة لبعض الكليات فى الجامعات المصرية لا تعبر بدقة عن التخصص العلمى الذى تقدمه لطلابها، وتعتبر كليات التجارة والحقوق من أبرز الأمثلة على ذلك، بالإضافة إلى كليات الآداب.
وقد كانت الجامعات فى معظم الدول العربية، والتى أنشئت بعد الجامعات المصرية بفترة ليست بالقصيرة، أكثر دقة فى تسمية كلياتها. يطلق على كليات الحقوق كليات القانون، وهو التعبير الدقيق عن التخصّص العلمى، حيث تضم هذه الكليات تخصّصات علمية يتخصص فيها الأساتذة والطلاب مثل القانون المدنى والقانون التجارى والقانون الدولى والقانون الإدارى والقانون الدستورى وغيرها. وتسمى كليات التجارة كليات الاقتصاد والعلوم الإدارية أو كليات الاقتصاد والإدارة أو كليات العلوم الإدارية، حيث لا يوجد تخصص علمى يسمى التجارة، بل توجد تخصّصات علمية فى الاقتصاد والمحاسبة والتأمين وإدارة الأعمال والإدارة العامة، وهى أسماء الأقسام العلمية فى كليات التجارة.
ومنذ إنشاء جامعة القاهرة (فؤاد الأول) وحتى الآن، تضم كليات الآداب أقساماً فى اللغة العربية واللغات الأجنبية وآدابها؛ إلى جانب معظم أقسام العلوم الاجتماعية، وهى تخصّصات لا علاقة لها بأقسام اللغات وآدابها، مثل أقسام التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس. وتم التوسع غير المنطقى فى أعداد المقبولين ببعض التخصّصات، حتى بلغت أعداد الطلاب فى إحدى الكليات سبعين ألف طالب وطالبة؛ وتجاوزت أعداد الطلاب فى عدد من الجامعات ربع مليون طالب وطالبة. وفى الكليات ذات الأعداد الكبيرة، لا سيما التجارة والحقوق، يقوم أستاذ المقرر بالتدريس لعدة آلاف من الطلاب. وعندما أقدمت بعض الكليات على تقسيم الطلاب فى الفرقة الواحدة إلى مجموعات، ظلت المجموعة الواحدة تضم أكثر من ألف طالب وطالبة. وفى الوقت نفسه، تضاءلت أعداد الطلاب فى بعض الكليات، وفى بعض الأقسام، حتى فاقت أعداد أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم فى بعض الأقسام أعداد الطلاب فى القسم، ومع ذلك، لا تزال هذه الأقسام قائمة، بل وتقدم على تكليف عدد من المعيدين والمعيدات كل عام.
وثمة عدة مقترحات تهدف إلى إيقاف التدهور الناجم عن نقاط الضعف السابق ذكرها، والارتقاء بمستوى الخريجين والخريجات من الجامعات الحكومية.
أولاً: تقسيم الجامعات الحكومية الكبرى إلى عدد من الجامعات الفرعية، بحيث لا يزيد عدد طلاب كل جامعة على سبعين ألف طالب وطالبة، مع الاحتفاظ بنفس الاسم العريق للجامعة. فعلى سبيل المثال، يمكن تقسيم جامعة القاهرة إلى جامعة القاهرة واحد، واثنين، وثلاثة، بحيث تضم كل جامعة قطاعاً من الكليات، مثل كليات قطاع الطب (كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والعلاج الطبيعى والطب البيطرى والتمريض)، وكليات قطاع الهندسة والعلوم والحاسبات (كليات الهندسة والحاسبات والعلوم)، وقطاع الآداب والعلوم الاجتماعية (كليات الآداب، والعلوم الاجتماعية، والحقوق «القانون»، والتجارة «العلوم الإدارية»، والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام والآثار).
ثانياً: تحديد حد أقصى لأعداد المقبولين فى كل كلية، بحيث لا يزيد على ألف طالب فى الفرقة أو المستوى، مع تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة العدد (من خمسين إلى مائة طالب وطالبة).
ثالثاً: دمج أو إلغاء الأقسام التى لا يقبل عليها الطلاب لعدة سنوات متتالية، أو التى لم تعد هناك حاجة لوجودها، مع تغير البيئات المحلية والإقليمية والدولية.
رابعاً: إعادة النظر فى التخصصات الموروثة منذ أمد بعيد، وتعديل اللوائح الدراسية بما يواكب التغيرات، بما يتضمنه ذلك من إنشاء أقسام جديدة أو إلغاء أو دمج أقسام قائمة.
خامساً: التوقف عن إنشاء كليات أو أقسام جديدة فى التخصصات التى تخرج فيها عشرات الآلاف من الخريجين والخريجات خلال السنوات الأخيرة، ويعانى معظمهم من البطالة.
سادساً: مراعاة الاحتياجات المحلية فى كل محافظة عند إنشاء كليات أو أقسام علمية جديدة، فهناك محافظات سياحية، وأخرى زراعية، وثالثة صناعية أو نفطية أو تعدينية، ورابعة تشتهر بصيد الأسماك.
سابعاً: إعادة النظر فى التوسّع المفرط فى كليات التربية فى حقبة سابقة، والذى نتج عنه فائض مبالغ فيه فى خريجيها، وقد يكون من الملائم تحويل بعضها إلى كليات للتعليم الأساسى.
ثامناً: مراعاة متطلبات سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية خلال المستقبل المنظور، عند تحديد أعداد المقبولين فى جميع التخصصات، خلال السنوات المقبلة.