أئمة الأوقاف بعد قانون الوقف الخيرى

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

خلال مناقشة مجلس النواب مشروع القانون المقدم بشأن إنشاء (صندوق الوقف الخيرى) طالب وزير الأوقاف الدكتور «محمد مختار جمعة» بالفصل بين الموازنة العامة للدولة وبين أموال صندوق الوقف، قائلاً إن إشراك وزارتى المالية والتخطيط سيؤدى إلى حدوث ارتباك ومنازعات تعطل الأهداف المرجوة من الصندوق.

اللجنة الدينية برئاسة فضيلة الدكتور «على جمعة» وافقت على هذا الفصل، لا سيما أن استقلال الصندوق بموازنته يؤدى إلى جذب مزيد من الاستثمارات التى من شأنها النهوض بصندوق الوقف ليؤدى دوره، ويحقق أهدافه.

الوقف معناه: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينِه، وتسبيل المنفعة، وقد أخذه المسلمون من نصوص القرآن والسنة التى منها: ﴿مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾ والأحاديث النبوية الداعية إلى الصدقة الجارية، لأنها محمولة على الوقف، مثل: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْماً نَشَرهُ، وَوَلَداً صَالِحاً تَرَكَهُ، وَمُصْحَفاً وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِداً بَنَاهُ، أَوْ بَيْتاً لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْراً أَجْرَاهُ..».

ومن هنا تسابق المسلمون إلى تفعيل الوقف، وتنوعت مجالات الوقف، فكانت للمساجد والمدارس وحلقات الدرس ودعم الباحثين والمستشفيات والفنادق للمسافرين وبناء البيوت لغير القادرين من الفقراء والمطاعم الشعبية المجانية، وحفر الآبار لسقى الماشية والزروع، وإصلاح الطرقات والقناطر والجسور، وبناء مقابر الصدقات، وشراء أكفان الموتى للفقراء، ووقف لإيواء اللقطاء والعجزة، ووقف لتزويج من لا يستطيع الزواج، وتحجيج من لا يستطيع الحج، والترفيه عن المرضى، وإمداد الأمهات بالحليب، ووقف لمراعاة نفسية الأطفال لو انكسر شىء منهم فى الأسواق.

والحاصل أن الوقف قام بالأعباء الاجتماعية والعلمية والفكرية والثقافية والتربوية والدعوية، وكانت مؤسسات الوقف من أروع النماذج المضيئة فى حضارة الإسلام، التى اتخذتها الأمة من أجل النهوض بالأفراد والمجتمعات والدول، ولم يتأخر الأثرياء والحكام والوزراء وأصحاب الدخول المتوسطة فى دعم الوقف فى الحضارة الإسلامية.

اليوم وقد أُقر قانون الوقف الخيرى، الذى ينفق الملايين لخدمة المجتمع المصرى عموماً، كدعم الأبنية التعليمية، بل وقد دعَّم الصندوق أهل غزة بخمسين مليون جنيه، ويبقى من المهم توظيف استقلال الوقف الخيرى لدعم أئمة المساجد مادياً، بما يتوافق مع متطلبات الحياة (7 آلاف جنيه على الأقل) مع حوافز إضافية يستطيع معها إمام المسجد العيش بصورة مُرضية، ولا يلجأ لممارسة أعمال أخرى لزيادة دخله.

يشهد الجميع أن مرتبات أئمة المساجد زادت فى السنوات الأخيرة، لكن هذه الزيادة جاءت بعد حالة عدم، مما يجعلها غير كافية، ويجعلنا أمام حاجة ملحة لتوجيه جزء من الوقف لدعم الأئمة، وبدون ذلك فلا جدوى لتجديد الخطاب الدينى.

وأيضاً فإن أموال الوقف تحتاج قوانين صارمة ومراقبة شديد لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب منها أو الاستيلاء عليها، هؤلاء لا بد أن يُضرب على أيديهم بيدٍ من حديد، حمايةً للممتلكات الوقفية من العابثين سواء من خارجه أو من بعض القائمين على الإشراف عليه.