لا تلوموا «الفيس بوك».. ولوموا أنفسكم

احتدمت المواجهات والمصادمات بين الفلسطينيين فى القدس والضفة وبين الجيش الإسرائيلى مع هدم غزة فوق رءوس ساكنيها وإطلاق الصواريخ من غزة على العمق الإسرائيلى حتى وصلت إلى تل أبيب. وفى ظل هذه المعركة ظهرت معركة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة موقع «الفيس بوك»، فقد دشن أنصار إسرائيل صفحات كثيرة على الموقع بعنوان «العدوان على إسرائيل»؛ لكسب التعاطف مع إسرائيل، ثم جمع مليارات الدولارات من العالم، خاصة الغربى، لمساعدة إسرائيل. أما المناصرون للحق الفلسطينى والعربى، ومعظمهم من العرب والمسلمين، فقد دشنوا صفحات بعناوين كثيرة كان أهمهما صفحة «العدوان على غزة» بالإنجليزية مع غيرها من الصفحات التى تدين إسرائيل وقتلها لمئات المدنيين والأطفال وتهجيرها عدة آلاف من الفلسطينيين. وقد وجد المناصرون للقضية الفلسطينية فى مواقع التواصل الاجتماعى عوضاً عن معظم القنوات الإعلامية العالمية التى تناصر دوماً إسرائيل، فقد انتهى الدور الأساسى لهذه القنوات التى طالما أفسدت المزاج العالمى وأظهرت إسرائيل بمظهر «داود» الذى هزم «جالوت»، تقصد العرب، وأنها المستضعفة التى تهزم الطغاة العرب وتنتصر على إرهابهم.

لكن إدارة «الفيس بوك» قامت بحظر كل المواقع التى تنشر كلمات وبوستات ضد إسرائيل أو تناصر الحق الفلسطينى أو تتحدث عن العدوان على غزة أو قتل المدنيين الفلسطينيين، خاصة الأطفال، وتركت كل المواقع المؤيدة لإسرائيل تأييداً مطلقاً والتى تبرر هدم المنازل فى غزة وقتل أهل غزة والمدنيين.

هذا الحظر بطريقة انتقائية فجة أثار غضب مستخدمى «الفيس بوك» الذين فوجئوا بهذا الانحياز السافر وغير المسبوق دون مبرر، فإما حذف كل ما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى أو الإبقاء عليه جميعاً.

إن المتأمل لقواعد النشر الحيادية فى «الفيس بوك» يجد أنها قواعد عادية وعادلة، ولكن ما تم لم يتبع هذه القواعد ولكنه سار مع الهوى الإسرائيلى فحسب ومناصرة لها مع حرمان الطرف الآخر من حق النصرة أو شرح وجهة نظره للعالم كله.

هذا الحظر مثّل انتكاسة كبيرة للحريات والعدالة التحريرية فى «الفيس بوك»، وجعل مناصرى القضية الفلسطينية فى حيرة من أمرهم؛ ماذا يفعلون والحرب محتدمة على أشدها؟ فتفتق ذهن البعض عن حيل كثيرة لتفادى الحظر أو الهروب منه، وذلك عن طريق تقطيع كلمة إسرائيل، أو كلمة غزة، أو القدس أو فلسطين أو استخدام طرق كتابة غير تقليدية للمعانى التى تم حظرها، حتى تحول «الفيس بوك» إلى ساحة معركة ثلاثية إحداها بين إسرائيل والفلسطينيين، والثانية بين مناصرى الطرفين، والثالثة بين مناصرى القضية الفلسطينية وإدارة «الفيس بوك».

وبعد وقف القتال حاول البعض معاقبة إدارة «الفيس بوك» بتجاهلها تارة أو عدم الدخول عليها ومقاطعتها أخرى، وهذا كله يطرح قضية جديدة قديمة مفادها أن أزمة العرب والمسلمين أنهم عالة دوماً على غيرهم، يستوردون كل شىء من خصومهم، ويحتاجون كل شىء من غيرهم أو من خصومهم فى أكثر الأوقات. أمتنا العربية والإسلامية هى التى تستورد أكثر غذائها وكل سلاحها ودوائها وتطعيمات أمراضها الخطيرة وسياراتها وقطاراتها وطائراتها من الخارج.

معظم البلاد العربية لم تصنع حتى اليوم المواد الخام لصناعة الأدوية رغم أن «عبدالناصر» كان قد شرع لإنتاجها فى مصر فى الستينات ثم توقف المشروع بغير رجعة حتى اليوم.

هل يليق لأمة بلادها مطمع للآخرين أن تعجز عن صناعة طائرة أو دبابة أو مدفع 175 مجم حتى الآن؟ هل يليق بالأمة العربية عجزها عن صناعة سيارة واحدة مع أن كوريا الجنوبية التى بدأت النهضة بعد مصر بثلاثين عاماً تصنع حتى الآن أربعة موديلات لسيارات حديثة مشهورة؟ هل يليق بنا أن تصنع إسرائيل أقمارها الصناعية ونحن نستوردها، وتصنع طائراتها ودباباتها وأسلحة حديثة أخرى لها وتصدرها ونحن أسرى للخارج الذى هو فى الأساس حليف لإسرائيل أو أقرب إليها؟

الآن جاء الدور على مواقع التواصل الاجتماعى؛ لماذا لا يكون للعرب والمسلمين مواقع تواصلهم التى تخدم قضاياهم وتساعد فى نمو أوطانهم وتحمى بلادهم وتحد من سيل المعلومات الرهيب الذى تحصل عليه أجهزة المخابرات المعادية من إسهالنا المعروف فى كتابة كل أسرارنا، واستخدام المواقع الأجنبية للتواصل فيما يضر أخلاقياتنا؟! لقد أظهر انحياز إدارة «الفيس بوك» العلنى لإسرائيل وعدم حيادها إلى حاجتنا لأدوات تواصل لتصب أموال العرب والمسلمين فى جيوب أبنائهم وأوطانهم، وتقدم خدمة لا تجرح ثوابتهم الدينية والوطنية وتجمعهم على كلمة سواء.

الانحياز والكيل بمكيالين نراه دوماً كلما احتدم الصراع العربى الإسرائيلى، وكان بالأمس من القنوات والإذاعات الغربية واليوم رأيناه فى «الفيس بوك».

وختاماً أقول لا تنتظروا العدل فى الدنيا، ولا تنتظروه من أحباب إسرائيل، ولا تنتظره أمة أضاعت إمكانياتها وسلّمت أمرها كاملاً لخصومها وأعدائها حتى تحولت ميزاتها إلى عيوب، وإيجابياتها إلى سلبيات، علينا أن نلوم أنفسنا لتقصيرنا الحضارى قبل أن نلوم غيرنا أو نلوم «الفيس بوك»، فقد ضيعنا الكثير من فرص الريادة الحضارية دون أدنى مبرر.