«أبو ضحكة جنان».. محطات «الشقاوة والضحك والبُكا» في حياة إسماعيل يس

كتب: إسراء نعيم

«أبو ضحكة جنان».. محطات «الشقاوة والضحك والبُكا» في حياة إسماعيل يس

«أبو ضحكة جنان».. محطات «الشقاوة والضحك والبُكا» في حياة إسماعيل يس

في عالم مليء بالمونولوجات النقدية والسخرية المرّة، والكاريكاتير والضحك والإخفاق والنجاح ووراء عالم البراءة والشقاوة لصانع الضحكة، ابن الصائغ السويسي،  الذي مر بطروف حياتية صعبة، بقيت حياة إسماعيل يس ثرية بمعاناته التي لاقاها حتى انطلق بين المونولوج بالإذاعة وعالم السينما، رحلة بدأها بعمله صبيًا بأحد مقاهي القاهرة بشارع الفن -شارع محمد علي الآن- ومناديًا أمام محل لبيع الأقمشة وإقامته بالفنادق الشعبية الصغيرة، ثم عمله مع «نوسة» أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت، ثم وكيلًا بمكتب أحد المحامين، حتى التقى توأمه الفني المؤلف الكوميدي الكبير عبدالسعود الإبياري، وكان سبب دخوله فرقة بديعة مصابني.

ملك المونولوج

سنوات من التألق في تقديم فن المونولوج عاشها «أبو ضحكة جنان»،  حتى أصبح يلقي المونولوج في الإذاعة أيضًا، ثم دخل عالم السينما عام 1939، حيث اشترك في فيلم «خلف الحبايب» ثم قدم العديد من الأدوار الثانية في عدة أفلام أشهرها «علي بابا والأربعين حرامي، نور الدين والبحارة الثلاثة، القلب له واحد»، ثم بدأ مرحلة البطولة المطلقة حينما جذب أداءه وموهبته الفنان أنور وجدي، والذي استعان به في أغلب أفلامه، قبل أن ينطلق وحده في بطولة فيلم «الناصح» أمام الوجه الجديد وقتها ماجدة، ليصبح «نجم شباك» يتهافت على أفلامه الجمهور، كما كوّن فرقة مسرحية تحمل اسمه عام 1954 عملت لمدة 12 عامًا، قدم خلالها نحو 50 مسرحية.

إسماعيل يس الذي رحل في مثل هذا اليوم 24 مايو عام 1972، والمؤلف أبو السعود الإبياري والمخرج فطين عبدالوهاب، ثلاثي استطاع تقديم ثلاثيات أفلام «إسماعيل يس في....»، مثل: «إسماعيل يس في متحف الشمع»، ولازمه وقتها الفنان رياض القصبجي الشهير بنمط «الشاويش عطية»، وإلى جانب المونولوج اشتهر الراحل بتقديم فن «البيرلسك» أو ما يعرف بالمحاكاة الكاريكاتيرية الساخرة، والتي قدمها في «الآنسة ماما» للمخرج حلمي رفلة عام 1950، وذلك وفق ما حكاه ماهر زهدي في كتابه «إسماعيل يس بين السماء والأرض»، الذي كتب مقدمته الفنان ونقيب المهن التمثيلية أشرف زكي.

«أنا لست خائفًا من الموت، فقد أعددت له ألف نكتة، فسوف أموت كما عشت من الضحك»، جملة قالها إسماعيل يس قبل موته توضح طريقة «ملك الكوميديا» في التعامل مع الحياة والموت، توضح رؤية الكوميديان الأسطورة الذي قدم نحو 600 فيلم على مدار حياته الفنية، ما بين أدوار ثانية وأدوار ثانوية وبطولات مطلقة، والذي يعد الفنان الوحيد تقريبًا الذي قدمت له سلسلة أفلام تزيد على 20 فيلمًا باسمه، فحياته الفنية وما وراءها من كواليس كتب عنها إسماعيل يس بخط يده، في عدة مقالات نادرة نشرها في مجلتي «الإذاعة والتليفزيون» و«الكواكب» عام 1956، أبرزها يستعطف فيه وزير الثقافة بدر الدين أبو غازي في ذلك الوقت، أن يعمل بدل الجلوس في البيت، إضافة إلى مقاله النادر عن تشرشل وكيندي وعسكري المرور، ومقالات توثق سيرة حياته الحافلة بالتقلبات، كما تسرد دوره البارز كرائد من رواد الكوميديا في الوطن العربي.

أضواء خافتة

لم يكن يعلم الراحل ما يخبئه له القدر، فمن مطرب مونولوج مغمور إلى مطرب المونولوجات الأول، كانت خطوات خطاها الراحل نحو سماء الشهرة و«أفيشات» الأفلام التي تحمل اسمه وتغطي كل دور العرض، انقلب كل ذلك، انحسرت الأضواء عنه وتجاهله المحيطين به، كل ذلك إضافة إلى معاملة الضرائب له وحجزها على أمواله وعمارته، تساقط الأصدقاء الذين وقوفوا  إلى جواره وساندوه وهم يصنعون مجده ومجدهم، كما تنكر له الكثيرون، المخرجون والمنتجون حتى زملائه الفنانين الذي كسبوا من ورائه باتوا لا يعرفونه ولا يسألون عنه، عاد إلى نقطة الصفر من جديد في عمره المتأخر، اللهم إلا معاش استثنائي قررت الدولة صرفه له.

الزمن يعيد نفسه

في عام 1970، وفي يوم عيد ميلاد إسماعيل يس 12 سبتمبر، تفاجأ جمهور ملهى رمسيس، بوقوفه على المسرح في واقعة غريبة وغير متوقعة، بعد غيابه دام نحو 20 عامًا عن إلقاء المونولوج، عاد له مرة أخرى مثل بداياته، لكن الفارق أن الجمهور أحسن استقباله، ودفع هذا أكثر من ملهى ليلي لتقديم عروض للتعاقد معه، لكنه وقتها لم يكن الشاب النشيط الذي يتنقل بين مونولوج وآخر على خشبة المسرح، ولم يكن ذاك الوجه الجديد الذي يبحث لنفسه عن مكان بين الكبار، بل أصبح ابن الستين عامًا الذي بات يقدم أحيانًا فقراته وهو يرتدي «الشبشب» في قدميه لإصابته بالنقرس.

وكأن الحياة تعيد نفسها مرة أخرى، فمن الملهى الليلي إلى السينما كانت وجهة إسماعيل يس، لكن هذه المرة ليس في دور البطولة أو دور ثان، بل يقبل أحد الأدوار المساعدة أمام أبطال مثل هند رستم ورشدي أباظة، ربما شعر أن الدنيا باتت تضحك له من جديد، لكن الحال لم يدم طويلًا، فقد ألمه نبأ وفاة جمال عبدالناصر الذي أحبه كثيرًا، ثم تلقى بعدها نبأ وفاة أقرب أصدقائه رفيق الشهرة والنجاح المخرج فطين عبدالوهاب، كما ودع من قبله صديق عمره أبو السعود الإبياري.

ألف نكتة في وجه الموت

«أنا بدأت حياتي ونفسي في حتة لحمة أو حتة فرخة، ويظهر إن حياتي هتنتهي برضو وأنا نفسي فيها» كلمات قالها لنجله حينما شعر أن التعب زاد عليه، وأعياه مرض «النقرس»، حينها شعر بدنو أجله، وحينها أيضًا استعاد ذكريات معاناة الصغر، فكان يروي لابنه كيف انتقل من السويس وفي جيبه ست جنيهات، كيف نام في المساجد وتناول الطعام مع المجاذيب، حتى شق طريقه وعرف بين جمهوره بـ«ملك الكوميديا» قبل أن تتآمر عليه الدنيا وينساه الناس في حياته، فيواصل حديثه مع نجله في آخر أيامه «تصور إني مش خايف من الموت، لأني محضر للموت ألف نكتة، أول ما هحس بيه داخل عليا، هفضل أقول نكت لنفسي عشان أفضل أضحك، وزي ما عشت بضحك الناس، هموت وأنا بضحك»، وقبل رحيله بيوم واحد، كان إسماعيل يس عائدًا من الإسكندرية، أمضى أمسيته مع عائلته، ألقى النكات ولم يخفت صوت الضحكات، ومع صباح يوم 24 مايو لقي ربه، ليحقق ما كان يتمناه ويضحك في آخر يومه ويضحك من حوله، فيما بقيت أعماله حية في قلوب جمهوره ومحبيه.

 


مواضيع متعلقة