سمير غانم.. عمره ولا ألف عام

شريف حلمي

شريف حلمي

كاتب صحفي

بقدر الحزن الذى أصابنا نحن جموع الفنانين، وملايين المشاهدين العاشقين لفن الراحل سمير غانم، بقدر السعادة التى شعر بها كل فنان مصرى ونحن نرى الرئيس الإنسان عبدالفتاح السيسى وهو يتفاعل معنا، رغم مشاغله الكثيرة، ويشاركنا أحزاننا بنعى رقيق صادق فى وفاة علم من أعلام الفن فى مصر والعالم العربى، بتغريدة رقيقة عبَّر فيها عن مواساته وحزنه على رحيل عملاق من عمالقة الكوميديا، مؤكداً أنه معنا، ومثمناً ما تركه الراحل من إرث عظيم من الأعمال الكوميدية التى رسمت الابتسامة على وجوه المصريين والأمة العربية، وواصفاً إياه بأنه كان نموذجاً للفنان الذى عاش من أجل نشر البهجة وإسعاد الجميع.

وقبل أن أبدأ فى الكتابة عن الراحل سمير غانم وعن أعماله وتأثيره فى الملايين من عشاق فنه، فقد داعبتنى ذكريات الطفولة وياميش رمضان..الضحكة فى أبسط أسبابها، والفن الجميل الذى لا يشيخ أبداً.. لقد كان رمزاً اختصر جيلاً من الكوميديا.. درس الزراعة فزرع الابتسامة على مدى 60 عاماً أو أكثر.. «مسعودى» المسرح، و«فطوطة» التليفزيون، و«سمورة» السينما وسميرها.. سمير غانم ثالث أضواء المسرح، الذى انطفأ نوره عن دنيانا.. «الرجل الذى عطس» هزمته الكورونا، والعاشقة «دلال» التى أحبته فى مسرحية «أهلاً يا دكتور» منعها الدكتور من وداع حبيبها لمعاناتها مع الكورونا أيضاً.. سمير غانم الذى رسب فى كلية الشرطة، نجح كضابط إيقاع البهجة فى قلوب المشاهدين ليس فى مصر وحدها ولكن فى سائر الأقطار العربية، لذا كان رحيله بمثابة الحدث الذى انتبه له الملايين من العاشقين لفنه فى شتى الأقطار العربية، فنال ملايين الدعوات بالرحمة والمغفرة من الله لما تركه فى الجميع من ثأثير..

مَن منّا لم يضحك ويبتهج لما كان يقدمه هذا الفنان الكبير فى المسرح والسينما والتليفزيون؟! حتى فى لقاءاته التليفزيونية كان يجبرنا على الضحك والاستمتاع لما يتمتع به من خفة ظل وتلقائية وطيبة وثراء إنسانى يتجسد فى حديثه عن زملائه وعن أسرته وعن مسيرته الحافلة بالإبداع والتنوع..

بدايته كانت فى فرقة ثلاثى أضواء المسرح، التى أسسها فى ستينات القرن الماضى، وقدّم فيها إسكتشات غنائية مع رفيقيه اللذين رحل إليهما، الضيف أحمد وجورج سيدهم، قدموا معاً أعمالاً ما زلنا نشاهدها ونستمتع بها حتى الآن، وطوال مسيرتهم الفنية هذه لم يفشلوا مرة واحدة فى أن يخطفوا قلوب محبيهم ويملأوها بالضحك، ولكن توهجهم لم يستمر طويلاً، حيث انطفأت أول أضوائها بوفاة الضيف أحمد، حاول وقتها سمير غانم أن يقنع عادل إمام بالانضمام للفرقة عوضاً عن رحيل «الضيف»، ولكن «إمام» رفض، وأكد له رغبته فى العمل منفرداً، فقدّم مع «جورج» عدداً من المسرحيات أهمها «المتزوجون» عام 1978، وآخرها «أهلاً يا دكتور» عام 1981، إلى أن توفى شقيقه ومدير أعماله سيد غانم عام 1982، وهو الحدث الذى كان نقطة تحول فى حياته، لينفصل بعدها عن «جورج» ويقدم أعمالاً مسرحية منفرداً..

ثم كان لقاؤه بالمخرج فهمى عبدالحميد عام 1983 بداية جدية له مع الفوازير، حيث قدّم فى هذا العام فوازير «فطوطة والأفلام»، التى حققت نجاحاً كبيراً، وفى تلك الأثناء لم يغب سمير غانم عن السينما أيضاً فقدم منذ بدايته حتى ذلك التاريخ ما يزيد على مائة فيلم سينمائى، وعشرين مسرحية وستة مسلسلات تليفزيونية، ثم قدم بمفرده 19 مسرحية بطولة مطلقة، بخلاف الأفلام والمسلسلات والفوازير وعدد من البرامج والمسلسلات الإذاعية.. ليصل إجمالى ما قدمه الكوميديان الراحل منذ بدايته عام 1964 وحتى وفاته 290 عملاً، منها 160 فيلماً سينمائياً، و64 مسلسلاً تليفزيونياً، ونحو 40 مسرحية، وتسعة أعوام يقدم فيها الفوازير للتليفزيون، بخلاف 12 مسلسلاً إذاعياً، وبرنامجين من تقديمه هما «سمير شو» عام 1995، و«ساعة مع سمير» عام 2007..

عطاء كبير وتنوع لم يصل إليه كثيرون من النجوم الذين سبقوه وحتى من جاءوا بعده، لذا كان هذا التنوع سبباً رئيسياً فى استمراره حتى قبل وفاته بأيام قليلة فى ممارسة مهنته التى عشقها وعاش من أجلها..

ومثلما كان نجاحه كبيراً وملحوظاً فى حياته العملية كانت زيجته من الفنانة دلال عبدالعزيز مصدراً لنجاح من نوع آخر؛ فقد أنجب منها «دنيا وإيمى»، وكوّن أسرة سعيدة ناجحة، يدين بالفضل فيها لزوجته الفنانة الواعية التى أرادت أن تضيف لنجاحه المهنى نجاحاً أهم وأكبر، فقد حصل على أسرة رائعة، ويبدو أن جينات الموهبة قد انتقلت منه ومن «دلال» إلى البنتين، فبعد أن اشتد عودهما اكتشف بخبرته موهبتهما، واحترفتا الفن، وها نحن نرى فى سنوات قليلة سطوع نجم «دنيا» بعدما تفجرت موهبتها بمساعدته ووالدتها، وبعدها بسنوات قليلة لحقت بها «إيمى» ليكونوا أسرة فنية رائعة، ولأنه كان أباً حنوناً، ورجلاً يحمل من السمات الإنسانية الحميدة الكثير عاش حتى تزوجتا وأنجبت «دنيا» حفيدته الوحيدة «كايلا»..

ولا ننسى للراحل اكتشافه العديد من المواهب الشابة، وقد كان مشهوراً عنه دعمه لكل موهبة يدرك بخبرته الكبيرة مدى تميزها؛ فقدم للوسط الفنى عدداً من النجمات والنجوم، منهم آثار الحكيم، وتعامل مع كل أجيال نجوم الكوميديا بداية من الكبار أبناء جيله، وصولاً لجيل حمدى المرغنى وعلى ربيع وغيرهما، فقد كان، رحمة الله عليه، متواضعاً، متابعاً للحركة الفنية، ومشجعاً لكل موهبة تشق طريق البداية نحو النجومية، فحصل على قدر من الحب فى قلوب كل من تعاملوا معه..

وها نحن نرى تفاعل الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعى منذ نشر خبر إصابته بالفيروس اللعين وحتى وصوله إلى مرقده الأخير.. الجميع يدعو له بالرحمة والمغفرة، ولكن رغم رحيله فإنه باقٍ معنا بما تركه خلفه من أعمال عظيمة سنراها مرات ومرات، وسيراها من يأتى بعدنا من أجيال وأجيال، لتتأكد لنا حقيقة لا شك فيها أن الفنان الحقيقى، الفنان الصادق، قد يرحل عن دنيانا بجسده ولكنه فى الحقيقة سيظل يعيش بيننا، بل سيعيش بعدنا ليضحك على قفشاته أبناؤنا وأحفادنا، وأود أن أختم بما قاله فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى: «لقد كان الراحل خير نموذج للفنان الذى عاش من أجل نشر البهجة وإسعاد الجميع»..

رحم الله الفنان الراحل وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.