جرائم الحرب الإسرائيلية والمحكمة الجنائية الدولية

مارست إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية كثيراً من صور جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطينى فى القدس الشرقية وقطاع غزة وغيرهما من الأراضى الفلسطينية المحتلة.

ويقصد بجرائم الحرب، حسب ما حددته الوثائق الدولية ذات الصلة، كل الأعمال المنافية لقواعد وأعراف الحرب، التى أكدتها اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان المكملان لعام 1977، ثم ذكرها على وجه التفصيل ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.

وتعد جرائم الحرب واحدة من الجرائم الأربع الكبرى الداخلة فى اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التى حددتها المادة الخامسة من الميثاق بقولها: «يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولى بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسى النظر فى الجرائم التالية: أ) جريمة الإبادة الجماعية، ب) الجرائم ضد الإنسانية، ج) جرائم الحرب، د) جريمة العدوان».

ولقد حددت المادة الثامنة من الميثاق صور جرائم الحرب تفصيلاً، وسنكتفى هنا بالإشارة إلى النصوص التى تعنينا فى هذا المقام: («ب».. 8 - قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها. 9 - تعمد توجيه هجمات ضد المبانى المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية...21 - الاعتداء على كرامة الشخص وبخاصة المعاملة المهينة أو الحاطة بالكرامة..).

وغنىٌ عن البيان أن إسرائيل لم تترك واحدة من هذه الصور إلا وفعلتها فى الأيام القليلة الماضية، فمن محاولة طرد السكان الفلسطينيين من دورهم فى حى الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة واستبدال مستوطنين من اليهود بهم، إلى محاولة إغلاق المسجد الأقصى الشريف فى وجه المصلين من أبناء الشعب الفلسطينى وإغلاق الطرق المؤدية إليه فى وجه وسائل المواصلات التى تقلهم، ثم استعمال قنابل الغاز والدخان وغيرها فى ساحات المسجد بحق المصلين العزل، وهى جريمة حرب بالإضافة إلى ما فيها من جريمة «ازدراء الأديان» وانتهاك صارخ لأحكام اتفاقية لاهاى لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية فى أحوال النزاعات المسلحة، وصولاً إلى قصف قطاع غزة بالطيران والمدفعية والصواريخ الذى ترتب عليه مقتل وإصابة المئات من المدنيين العزل، بينهم الكثير من الأطفال والعجائز فضلاً عن تدمير البنية التحتية المدمرة أصلاً من عدوان إسرائيلى سابق.

وإذا كان ما تقدم يمثل مدخلاً لإثارة الأمر أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما بات ممكناً بعد تمتع فلسطين بعضوية المحكمة، فإن أهميته الكبرى تكمن فى أن الجرائم الداخلة فى اختصاص المحكمة لا تسقط بالتقادم، ومن ثم ستبقى الأحكام التى تصدرها بحق المسئولين الإسرائيليين بهذه المناسبة سيفاً مسلطاً على أعناقهم وهم فى السلطة وبعد أن يغادروها. ولعله من الأهمية بمكان، قبل إنهاء هذا المقال، أن أبدى الملاحظات التالية:

1) أعادت أحداث الأيام الماضية القضية الفلسطينية إلى وضعها الطبيعى باعتبارها القضية المركزية للمنطقة، وأبانت أنه لا سلام ولا استقرار فيها دون تسوية عادلة لها ودون حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، وأن أحلام التطبيع التى هرول إليه البعض وصفقة القرن وما إليها ليست سوى قصور من رمال أقيمت على عمد من هواء.

2) أكدت الأحداث أن المجتمع الدولى عاجز عن أداء حتى أقل مسئولياته فى عقد اجتماع لمجلس الأمن وإصدار مجرد بيان عن الأحداث، ومن ثم فإنه لا سبيل أمام الفلسطينيين لاستخلاص حقوقهم سوى الاعتماد على أنفسهم.

3) مرة أخرى تسقط نظرية الأمن الإسرائيلى، وتظهر أكاذيب وأوهام الجيش الذى لا يُقهر والقبة الحديدية الحامية لإسرائيل من صواريخ المقاومة، ويظهر أن للضعيف من عناصر القوة الكامنة ما يمكن أن يحقق قدراً من التوازن فى العلاقة مع الطرف الأقوى.

4) كما هو الحال على الدوام تبقى مصر الكبيرة عوناً وسنداً لشقيقاتها، حتى من أساءت منهن من قبل، فمصر -دون سواها- تقدم ما لا يستطيعه الآخرون، شاء من شاء وأبى من أبى.

وختاماً: تحية إجلال لمن قابلوا الاعتقال والظلم بابتسامة ثقة فى النفس وسخرية من القوة الغاشمة الجبانة، وأهديهم قول المتنبى: وقفت وما فى الموت شكٌ لواقف.. ووجهك وضاح وثغرك باسم.