بروفايل| داوود أوغلو.. الحاكم بأمر "أردوغان" وكاتم أسراره

كتب: دينا عبدالخالق

بروفايل| داوود أوغلو.. الحاكم بأمر "أردوغان" وكاتم أسراره

بروفايل| داوود أوغلو.. الحاكم بأمر "أردوغان" وكاتم أسراره

منذ تخرجه من جامعة الاقتصاد والعلوم الإدارية، سرعان ما نمت طموحاته عاليًا، فحصل على الماجيستير والدكتوراه بالسياسة والعلوم الإدارية، وأصبح عضوًا في هيئة التدريس بالجامعة، ولكن لم تتوقف أهدافه عند هذا الحد، حتى أعدَّ كتابًا عن العمق الاستراتيجي لبلده تركيا ودورها في السياسة الدولية، وهو ما أهَّله ليشغل منصبًا هامًا، وهو كبير مستشاري رئيس الوزراء، وسفير في الحكومة التركية الثامنة والخمسين واستمر بأداء هذه المهام في عهد الحكومتين التاسعة والخمسين والستين، ووزيرًا للخارجية في الحكومة الستين، إلا أن تولي أحمد داوود أوغلو منصب رئيس مجلس الوزراء للحكومة التركية. أحمد داود أوغلو، أول رئيس وزراء في حكومة أول رئيس منتخب، وهو رجب طيب أردوغان، ولتكون هذه الحكومة هي الـ62 في تاريخ تركيا، وجاء ذلك تتويجًا لتاريخ "أوغلو" السياسي، واتخاذه سياسة "تصفير المشاكل" القائمة على حسن الجوار والتي تعتبر علامة مميزة خاصة به، والتي أصدرها في كتابه "العمق الاستراتيجي لتركيا"، والسياسة المعلنة لحكومته، وعندما تولى أردوغان رئاسة تركيا اختار أوغلو رئيسًا لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ووُلد أحمد داود أوغلو في بلدة "طاش كنت" بمدينة قونية بوسط تركيا في 26 فبراير 1959، ثم انتقل مع والده محمد دوران داود أوغلو، الذي كان يعمل إسكافيًا للعيش بحي "الفاتح" التاريخي بمدينة إسطنبول، وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة إسطنبول للبنين، ليلتحق بعدها بكلية العلوم الإدارية والاقتصادية بجامعة "بوغازجي" بإسطنبول، وتخرج في قسم الاقتصاد والعلوم السياسية في 1984، وأتم دراساته العليا وحصل على درجة الماجستير في قسم الإدارة العامة بالجامعة، ونال بعد ذلك درجة الدكتوراه في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وفي عام 1990 تم تعيينه أستاذًا مساعدًا في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا وأسس بها قسم العلوم السياسية وترأسه، ثم أصبح عضوًا في هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية في جامعة مرمرة بإسطنبول، كما شارك في إلقاء محاضرات في القوات المسلحة التركية والأكاديمية الحربية، وتزوج في عام 1984 بالدكتورة سارة، أخصائية أمراض النساء والتوليد، وله أربعة أبناء، هم سفورا، وميمونة، وهاجر بيكا، ومحمد. بدأت مسيرة "أوغلو" مع الحكومة عام 2002 كمستشار أعلى لرئيس الوزراء، وسرعان ما لوحظت بصماته بوضوح على ثلاثة محاور مهمة من السياسة الخارجية التركية، حيث رسخ أهمية التكيف مع الوضع الإقليمي الجديد في فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة، ومفهوم استقلالية القرار التركي وأن الوقت أصبح ملائمًا لتتحوَّل تركيا إلى "لاعب مستقل" في الشرق الأوسط دون الحاجة إلى الولايات المتحدة، كما كان الحال أيام الحرب الباردة. "كيسنجر السياسة التركية" هكذا وصفته الصحف التركية، بعد توليه منصب وزارة الخارجية، حيث سعي أوغلو في سياسته الخارجية إلى اتخاذ الخيارات الصحيحة من حيث المبادئ دون أن يؤثر ذلك على العمل الدؤوب لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، بما في ذلك سعيها لاعتراف عالمي بها كلاعب استراتيجي مسؤول، فضلًا عن اغتنامه فرص التواصل مع العالم العربي والمنطقة، فعلى عكس المحاولات الفاشلة في تسعينيات القرن الماضي لإدخال جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى في الجلباب التركي، فإن حزب العدالة والتنمية نجح في الانخراط في موجة التوسع وازدهار الاستثمار والتغيرات الثقافية في المنطقة، وتم تنفيذ ذلك ضمن سياسة داود أوغلو التي عرفت باسم "صفر مشاكل" فيما يخص الخلافات مع دول الجوار، أي غلق جميع الملفات العالقة وحلها حلًا يرضي الجميع، وهي سياسة اتبعها منذ توليه حقيبة الخارجية عام 2009. وندَّد أوغلو بجرائم ومجازر نظام بشار الأسد في حق الشعب السوري الذي ثار عليه، وبالانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، فيما كادت محادثات داود أوغلو مع الاتحاد الأوروبي حول الشطر التركي من الجزيرة القبرصية، وموقفه من مشروع الشرق الأوسط الكبير، تعصف بعلاقته بأردوغان، قبل أن يصبح "كاتم أسراره" الذي يصطحبه معه في المقابلات المهمة والشخصية. كتاب "العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في السياسة الدولية" هو نظرية جديدة تُضاف إلى علوم السياسة المعاصرة، بحيث كان خلاصة بحث طويل ودراسات متعمقة من داود أوغلو في عوامل النهضة والريادة لكل مجتمع ودولة، وما يميِّز الكتاب هو تجاوزه الأطر النظرية المجردة؛ ليصوغ رؤية استراتيجية تطبيقية شاملة لما يمكن أن تكون عليه مكانة تركيا في الساحة الدولية، وهو أول ما جذب الأنظار إلى عقلية أوغلو واتجاهاته السياسية المختلفة.