«بين السما والأرض».. تجربة مهمة في دراما رمضان 2021
فى السنوات الماضية، كان هناك الكثير من التساؤلات التى تُطرح حول صناعة الدراما ومشاكلها، ومن أهمها أزمة النصوص وصياغة الثلاثين حلقة التى عادة ما تكون مليئة بالحشو والتطويل لصناعة 30 حلقة فقط، وأخيراً قرر بعض صناع الدراما ومعهم شركة «سينرجى» إعادة إحياء تجربة الـ15 حلقة فى موسم رمضان (منذ سنوات طويلة عرفت صناعة الدراما المصرية السباعيات والـ15 حلقة والسهرات والمسلسلات ذات العشرين حلقة فقط).
وخلال الموسم الرمضانى 2021 شاهدنا واحدة من التجارب المهمة وهى مسلسل «بين السما والأرض» المأخوذ عن فيلم بنفس الاسم للمخرج صلاح أبوسيف، كتبه للسينما الكاتب نجيب محفوظ، والفيلم من بطولة هند رستم وعبدالسلام النابلسى وعبدالمنعم إبراهيم ومحمود المليجى وعدد آخر من النجوم.
أما المسلسل فيشارك فى بطولته عدد كبير من الفنانين، منهم هانى سلامة ونجلاء بدر وسوسن بدر وأحمد بدير، ومحمد ثروت ومحمد لطفى وندى موسى وآخرون، كتب السيناريو والحوار للمسلسل إسلام حافظ، والإخراج محمد جمال العدل.
يدور المسلسل حول مجموعة من الأفراد يدخلون مصعداً فى برج سكنى متعدد الطوابق، وفجأة يتوقف المصعد ونفهم من المشاهد المتوازية أن ما حدث بفعل عصابة مسئول عنها «مصطفى درويش»، وينفذ أوامر لشخص أعلى منه يبحث عن شخص بعينه داخل المصعد، وتمر الساعات على المحبوسين، فى حين تفشل كل محاولات إنقاذهم من جانب حارس العقار (محمود البزاوى).
فيلم «بين السما والأرض» 1960 قدم لنا العديد من النماذج داخل المصعد. ركز الأديب نجيب محفوظ على المفارقات الناتجة عن وجود هؤلاء الأشخاص معاً فى مصعد محبوسين لمدة ساعة ونصف الساعة، دون أن نعرف شيئاً عن تاريخ هذه الشخصيات، والظرف الذى جمعهم معاً، وهل هناك علاقات تربطهم سوياً من قبل أم ماذا؟ وهو الأمر الذى اعتمد عليه إسلام حافظ كاتب سيناريو المسلسل، ومعه المخرج محمد العدل، حيث أتاحت لهما الفترة الزمنية لأحداث المسلسل أن يقدما لنا شبكة مترابطة من العلاقات بين الفنانة الشابة «نجلاء بدر»، والفنانة الكبيرة المخضرمة «سوسن بدر»، وزوج الفنانة الشابة «عوض»، «محمود الليثى»، التى لفّقت له قضية مخدرات لتتخلص منه، وترتبط بالمنتج السينمائى صديق الفنانة الكبيرة، «عوض» الذى يتحول من مطرب مهرجانات إلى متطرف يسعى للانتقام من طليقته التى دمرت مستقبله. ولدينا أستاذ الفلسفة العلمانى «هانى سلامة» المتهم من قبل المتشددين بالتجديف فى الدين، ومعه فى المصعد كريمة «ندى موسى» التى كانت تعمل خادمة لديه بعد وفاة زوجته، وصارت هى المسئولة عن بيته وابنه، ووقعت فى غرامه، أستاذ الفلسفة مطارد أيضاً من رجل دين متطرف بينهما سجالات إعلامية، ليس ذلك فقط، بل إن أستاذ الفلسفة متهم بأنه باع الامتحان لأحد طلبته. هناك القاتل البلطجى القادم لتنفيذ عملية إرهابية «محمد لطفى»، والمتحرش «عمرو صالح» والفتاة التى توهمه بالموافقة على الصعود معه لمنزله «يسرا اللوزى» وهى تخطط للانتقام لصديقتها، والمرأة الحامل القادمة فى زيارة لطبيب النساء والتوليد «نورهان»، والمهندس صاحب المشروع المهم الذى سُرق منه وتم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية، وهرب منها «محمد ثروت»، وصاحب المكتبة «أحمد بدير» الذى يتعرض لخديعة وضغوطات من أجل سرقة مكتبته، وتحويلها إلى «بلاى ستيشن»، ورغم تشعّب العلاقات وتداخلها بين ركاب المصعد المعطل إلا أن كاتب السيناريو لم يتخل عن الحس الكوميدى الذى كان موجوداً بالفيلم أيضاً.
يعتمد المسلسل على ثلاثة خطوط درامية، دارت أحداث الحلقات حولها، وهى خط الموجودين داخل المصعد، وشكل العلاقة بينهم وكيف تتطور بناء على الوجود فى المكان نفسه، ومن خلال مشاهد «الفلاش باك» نعرف ماضى تلك الشخصيات وطبيعة العلاقات التى تجمعهم بعضهم ببعض، وأسباب وجودهم فى هذه اللحظة داخل هذا المصعد، ونظرات الاتهام والخوف المتبادلة التى تسيطر على بعضهم، وهناك أيضاً المشاهد الدرامية المتعلقة بمحاولات الإنقاذ من جانب حارس العقار أو المهندسين الذين ترسلهم الشركة، وظهور بعض أهالى أو أصدقاء الموجودين داخل المصعد.
تلك الحالة الدرامية صاغها كاتب السيناريو بشكل جيد إلى حد كبير، ولكنى أعتقد أن المسلسل لو كان 10 حلقات أو سباعية كان إيقاعه سيكون أفضل بكثير، خصوصاً أنه رغم أن المسلسل 15 حلقة، فإنه لم يستطع الفكاك من فخ التطويل والملل، وتحديداً بسبب المشاهد التى كان يحكى فيها تاريخ الشخصيات، فهناك أكثر من أربع حلقات كنا ننسى فيها المصعد (المكان وبطل العمل) وما يدور بداخله، وينشغل المخرج والمؤلف بالأحداث الخارجية، لأنه ببساطة 15 حلقة ولو افترضنا أن مدة الحلقة على أقل تقدير 35 دقيقة فسيكون المحبوسون قد قضوا ما يقارب التسع ساعات، وهى مدة زمنية طويلة جداً اضطر صناع العمل فى بعض الحلقات لحشوها بالأحداث، ولكن المهم أنه صارت لدينا تجارب بعيدة عن الثلاثين حلقة، وهى خطوة على طريق البدايات ليتغير النمط الحاكم لشكل المسلسلات فى الموسم الرمضانى.
والحقيقة أن أغلب طاقم العمل قدموا أداء جيداً تميز فى المساحات الدرامية التى كان يتحدث فيها كل منهم عن نفسه وأخطائه كأنهم فى حالة من التطهير، ومن أهمهم محمد ثروت، ومحمود الليثى، الممثل شديد الموهبة، ونجلاء بدر التى قدمت عدداً من المشاهد المهمة وتحديداً مشهدها مع «الليثى» والمواجهة داخل المصعد ومشهدها مع سوسن بدر أيضاً وندى موسى، وهى تكشف الوجه الآخر فى علاقتها بأستاذ الفلسفة المستنير الذى لا تخلو حياته من الادعاء، والقديرة سوسن بدر، ولكن تركيبة شخصية جلال أبوالوفا التى قدمها الفنان محمد ثروت قدمته بشكل مغاير بعيداً عن الكوميديا تماماً، ولمع أيضاً الفنان القدير محمود البزاوى فى دور حارس العقار.
وبشكل أوضح تتميز الكثير من العناصر الفنية فى المسلسل إضافة إلى التمثيل وأهمها التصوير والإضاءة فى مشاهد المصعد والمونتاج، فهى أيضاً من أبطال تلك التجربة - (راجع مشهد الولادة، مواجهة نجلاء بدر وسوسن بدر وفاة أحمد بدير)، التصوير أحمد فهيم.
ومن التفاصيل الجميلة فى صياغة المسلسل إهداء حلقاته إلى زمن وموسيقى بليغ حمدى، وتسمية كل حلقة بعنوان أغنية للموسيقار المبدع، ويظهر هذا بالطبع فى شخصية حكيم المصعد صاحب المكتبة والمدافع عن الثقافة «أحمد بدير» الذى يُظهر حبه الشديد لبليغ وموسيقاه، حتى إنه سمى ابنه الوحيد على اسمه.
واختار المخرج أن تكون نهاية المسلسل مختلفة تماماً عن نهاية الفيلم الذى تم فيه فتح المصعد وخروج كل المحبوسين فيه، بعضهم نسى المحنة، وعاد لممارسة حياته بشكل طبيعى، فى حين أن مخرج المسلسل محمد جمال العدل انتصر لفكرة عقاب الشخصيات المحبوسة داخل المصعد، وأيضاً مَن كانوا فى حفلة «الروف»، حيث انفجرت القنبلة وسقط المصعد فى البئر، ولم نسمع فقط سوى صوت الطفل الرضيع وهو يصرخ، تبدو النهاية شديدة المأساوية والسوداوية، وتنتصر لفكرة أن المجتمع كله فى حالة سقوط، ولا تكفيه لحظات التطهير العابرة، أو العظات التى يأخذها البعض من المواقف العصيبة التى عاشوا فيها لساعات، وشاهدوا لحظات الميلاد للطفل الصغير والوفاة لرجل الثقافة والمدافع عنها أمام سطوة وسيطرة رأس المال، وفى ظنى أن النهاية حمّلت النص أكثر مما ينبغى وجاءت محبطة، ولكن يظل المسلسل إحدى التجارب المهمة فى دراما رمضان 2021 وبداية لأعمال مختلفة تكسر جمود الثلاثين حلقة ويستحق صنّاعه التحية.