عمرو حسن يكتب: المجلس القومي للسكان والتنمية

عمرو حسن

عمرو حسن

كاتب صحفي

مصر الآن أمام فرصة ذهبية لمواجهة حاسمة لمشكلة الزيادة السكانية، حيث تتوافر إرادة سياسية لحل هذه المشكلة المزمنة، فالسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، منذ توليه الرئاسة في عام 2014، وهو يضع قضية الزيادة السكانية في مصر نصب عينيه، وقد ألقى الضوء مرارا وتكرارا على ضرورة حلها، وعنده طموح كبير وهدف واضح وهو خفض معدل الزيادة السنوية إلى 400 ألف سنويا، وهو حلم كبير لو تحقق سيساهم في حل الكثير من مشكلات مصر. 

ومصر لديها تجربة بارزة في مواجهة مشكلة الزيادة السكانية، هذه التجربة التي لم تكتمل كما بدأت، ونأمل أن تستعيد مصر هذه التجربة الناجحة في عهد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

في عام 1985 صدر القرار الجمهوري رقم 19 بإنشاء المجلس القومي للسكان برئاسة رئيس الجمهورية، ليكون مسؤولا عن مواجهة المشكلة السكانية، وكان أول مقرر للمجلس هو أ.د ماهر مهران، أستاذ النساء والتوليد والعقم بجامعة عين شمس، رحمه الله، وكان فارس ومهندس تنظيم الأسرة، ومقرر المجلس القومي للسكان، وزير السكان السابق، الذي لا يختلف اثنان على أننا إنا ذكرنا مشكلة السكان فلابد أن نذكره لجهده المتواصل ونجاحه الذي لا ينكره أحد في إدارة هذا الملف.

وكانت كلمة السر لحل المشكلة السكانية من وجهة نظره هي في استخدام وسائل تنظيم الأسرة طويلة المفعول (اللولب)، وبالفعل زاد استخدام اللولب، وكانت نسبة الاعتماد عليه كوسيلة أساسية لتنظيم الأسرة في أواخر الثمانينات حوالي 4 أضعاف ما كانت عليه في بداية استخدامه، وزادت بأكثر من النصف في التسعينات، ليصل إلى مستوى استخدام 36% عام 2000، وظلت هذه النسبة ثابتة بشكل تقريبي حتى عام 2008، ثم حدث تراجعا في نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة طويلة المفعول في السنوات اللاحقة.

ونجد أيضا أنه في عام 1980، كان معدل الإنجاب الكلي في مصر 5.3 «ومعدل الانجاب هو متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها كلها»، ونتيجة لجهود المجلس القومي للسكان آنذاك حققت مصر إنجازا ونجاحا غير مسبوق بالوصول إلى معدل إنجاب يساوى 3.5 في عام 2000، وواصلنا النجاح عام 2008، وأصبح معدل الإنجاب الكلي في مصر 3، ولكن للأسف بدل من الوصول إلى المعدل المتوقع وهو 2.4، حدثت ردة بسبب عدة عوامل أبرزها أحداث يناير 2011، فقد غاب دور الإعلام وانشغل بأحداث سياسية، وتصدر المشهد رجال ينتمون لتيارات دينية متشددة تتصدى لفكرة تنظيم الأسرة، وكان هذا أحد اهم الأسباب التي أدت إلى زيادة عدد السكان، وانعكس ذلك على نتائج المسح السكاني في 2014؛ إذ ارتفع معدل الإنجاب إلى 3.5، وهو نفس المعدل الذي تحقق في عام 2000، أي اننا لمدة 14 عاما لم نحقق أي تقدم يذكر في هذا الملف، وبمتابعة لغة الأرقام نجد أننا وصلنا في عام 2020 إلى معدل إنجاب يساوى 3.07، أي تقريبا نفس المعدل لعام 2008، ما يعني أننا في خلال 12 عاما لم نحقق أي تقدم يذكر. 

بناء على هذا نستطيع أن نقول إن التجربة الأبرز في إدارة ملف البرنامج السكاني كانت في الفترة من (1986 - 1996)، لأن المجلس القومي للسكان آنذاك كان برئاسة رئيس الجمهورية، وكذلك توافر له مثلث النجاح «الاستقلال/ الاستقرار/ القوة)»فقد توافرت للمجلس القوة بتوافر الإرادة السياسة والتمويل اللازم، سواء من خلال المانحين أو الموازنة العامة للدولة، وتوافر له الاستقلال لأنه كان جهة منفصلة لا تتبع أي وزارة في الدولة وتوافر له الاستقرار؛ لأن قيادته متمثلة في الدكتور ماهر مهران استمر في منصبه حوالي 16 عاما، ما كان له عظيم الأثر في تحقيق نتائج قوية على صعيد المؤشرات الإنجابية.

وتقديرا للإنجازات التي حققتها الدولة المصرية في ملف السكان في هذه الفترة من 1986 وحتى 1996، فقد تم:

ا) منح رئيس الجمهورية جائزة الأمم المتحدة للسكان في فبراير 1994. 

ب) عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية «أكبر مؤتمر عالمي للسكان» في الخامس من سبتمبر 1994 في القاهرة.

ولكن هذا النجاح تراجع كما سبق أن ذكرنا بعد هذه المرحلة نتيجة العديد من العوامل من بينها مستوى الدعم السياسي، والأولوية في النظر إلى الوضع السكاني، والقدرة على تعبئة الموارد، بالإضافة إلى الشخصية القيادية لمن يدير المنظومة والتغير المستمر للهيكل التنظيمي والتبعية، فتارة كان المجلس القومي للسكان يتبع لمجلس الوزراء وتارة أخرى كان يتبع وزير الصحة والسكان، وفترات أخرى كان على رأسه مقرر، وفترات أخرى كانت القيادة لوزير السكان.  

ولكن التراجع الواضح  كان منذ عام 2002، عندما أصبح المجلس تابع لوزارة الصحة والسكان، فقد تراجع الإنجاز المتحقق في جميع المؤشرات السكانية بشكل ملحوظ، وتزامن ذلك مع تراجع تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2010، حيث توقف التحسن تمامًا في جميع المؤشرات ذات الصلة بالصحة الإنجابية.

إذا ما نحتاج إليه الآن لحل هذه المشكلة، هو إعادة التجربة الناجحة للمجلس بكافة عوامل نجاحها، وهي:

1) قوة واستقلال واستقرار الإطار المؤسسي المعني بملف السكان «استقلالية المجلس القومي للسكان عن أي وزارة ونقل تبعيته إلى رئاسة الجمهورية».

 2) الإرادة السياسية وهي متوفرة. 

3) سياسة سكانية شاملة بأهداف كمية محددة.

4) توفير الموارد المالية اللازمة .

غير ذلك فسنكون كمن يحرث في الماء، وسنسير في هذا الملف الهام بسرعة السلحفاة، وسنورث للأجيال القادمة مئات المشكلات الناجمة عن المشكلة الأم وهي مشكلة الزيادة السكانية، وكذلك نحن في حاجة ماسة لحوكمة الملف ووضع نظام متابعة وتدقيق ومراقبة للحفاظ على المكتسبات والانطلاق بخطوات ثابتة في هذا الملف الهام.

وكما منحت الأمم المتحدة جائزتها للسكان للقيادة السياسية المصرية في عام 94 تقديرا له، ليس ببعيد أن نكرر النجاح والتكريم مرة أخرى.

وأيضا مجلس النواب المصري وضع هذا الملف على رأس أولوياته، فقد تبنى قضية المجلس القومي للسكان، وسعى إلى إعادة هيكلته وتبعيته في دور الانعقاد المنصرم، ويستعد لفتح ملف مواجهة الزيادة السكانية خلال الفترة المقبلة، باعتباره أحد أهم أولويات المجلس في دور الانعقاد الحالي، لا سيما مع تأثير تلك الزيادة على نتائج ومؤشرات الاقتصاد القومي، وخطط التنمية المصرية، بما يتطلب وضع برامج وآليات تشريعية لضبط النمو السكاني.

وعلى هذا فقد تقدمت سيادة النائبة/ رشا رمضان «وعدد من أعضاء مجلس النواب» بقانون المجلس القومي للسكان والتنمية والمحال الى لجنة التضامن والأسرة والأشخاص ذوي الإعاقة، الشؤون الصحية، الخطة والموازنة وبالفعل تمت الموافقة عليه .

ومن جانبه يقوم مجلس الشيوخ حاليا بمناقشة مشروع القانون  للوصول إلى أفضل شكل لكل بنود القانون تمهيدًا لإرساله لمجلس النواب للتصديق عليه ، وأكدت لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، أهمية اختصاصات المجلس القومي للسكان والتنمية حيث أنه مشروع عملي يتطلب العمل على أرض الواقع للوصول إلى مخرجات حقيقية لتنمية الأسرة المصرية بشكل مؤسسي .

وإني أثمن جهود مجلس الشيوخ ومجلس النواب في حل هذه القضية، وأتوجه بالشكر لكل الجادين من السادة أعضاء المجلسين لاهتمامهم بالقضية السكانية، وسعيهم الى تفعيل وتطوير دور المجلس القومي للسكان في إدارة الملف السكاني، ليكون خطوة نحو إيجاد حلول جذرية للتزايد المتنامي للسكان، ورسم السياسات والخطط اللازمة لضبط النمو السكاني من خلال وجود جهة مسؤولة لإدارة الملف على الوجه الأكمل، وكلا المجلسين يتابع كل منهما أعمال الآخر، ويوفر مساندة حقيقية في إنجاز العملية التشريعية بطريقة أفضل تضمن حسن الدراسة والمناقشة عبر خبرائه المتخصصين في المجالات المتعددة وأصحاب الكفاءات والخبرات.