استطلاعات الرأى والتنبؤ (1-2)
من بين الفوائد التى تحققها استطلاعات الرأى، إلى جانب الوقوف على حقيقة ما يجرى، هى معرفة ما سيأتى، أو على الأقل تحصيل بعض المؤشرات التى تعين على الاقتراب منه، وإمكانية التدخل لتطويره وتعديله أو تغييره، أو التصرف على نحو يساعد على تلافى الأخطاء وتجنب المزالق، وذلك اتكاء على ما جادت به الاستطلاعات وأظهرته، إيجابياً كان أم سلبياً.
ولهذا فإن استطلاعات الرأى تعد وسيلة مهمة لصانعى القرار فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، حيث تعينهم على إصدار قرار رشيد، الأمر الذى من شأنه أن يزيد مصداقية المؤسسة أو المسئول أمام الجمهور.
ومن ثم فإن الاستطلاعات وسيلة للحاكم ليقف على مدى رضا المحكومين عن سياساته، وأداة دعاية انتخابية للمرشحين فى الانتخابات ببلدان ديمقراطية عديدة، وأداة تسويقية لأصحاب الشركات الراغبين فى الوقوف على رأى المستهلكين من السلع التى ينتجونها، وأداة بحثية بالنسبة للأكاديميين الراغبين فى تعميق فهم الظواهر التى يتصدون لدراستها، وأداة توعوية بالنسبة لعموم الناس المنشغلين بحيازة معلومات عن مختلف القضايا المطروحة.
ويبدأ الاستطلاع بمعرفة «مجتمع الدراسة» الذى تم تحديده وفقاً للهدف من الاستطلاع، فإذا كان مثلاً عن المشاركة فى الانتخابات يكون المجتمع هنا هو البالغين الذين لهم حق الانتخاب، أما إن كان استطلاعاً عن الدروس الخصوصية فإن المجتمع هنا يكون الأسر التى لديها أبناء فى مختلف مراحل التعليم. وبعد هذا تأتى مرحلة أخذ عيِّنة تعبر عن المجتمع المدروس تعبيراً صادقاً وأميناً بقدر المستطاع، سواء كانت عيِّنة عشوائية بسيطة Simple Random Sampling تعطى كل شخص فى المجتمع فرصة متساوية فى الظهور فى العيِّنة، أو عيِّنة عشوائية طبقية Stratified Random Sampling تنفع فى تمثيل كل فئات المجتمع غير المتجانس، أو عيِّنة منتظمة Systematic Sampling يتم خلالها وضع المفردات فى قائمة وتحديد أول مفردة فى العيِّنة بطريقة عشوائية، ثم يتم اختيار باقى مفردات العيِّنة بطريقة منتظمة، وعيِّنة عنقودية Cluster Sampling ويتم فيها تقسيم المجتمع إلى مجموعات جزئية، ثم اختيار عيِّنة منها عشوائياً سواء على مرحلة واحدة أو مرحلتين. ولضبط العيِّنات يمكن استخدام أدوات مثل «الأوزان النسبية» و«خطأ المعاينة» و«معدل الرفض» بما يجعل العيِّنة ممثلة للمجتمع، وبالتالى يمكن تعميم نتائج الاستطلاع الذى يجرى عليها، ويكون بمكنة المستطلَعين أن يتحدثوا عن مواقف واتجاهات وسمات المجتمع بأسره فى فترة معينة.
وهذه الاحترازات إن واكبها «تحليل كيفى»، على اعتبار أن الاستطلاع شكل من أشكال التحليل الكمى، وكذلك إجراء مقابلات معمقة، ثم التبصر أو التأمل فى معطيات الاستطلاع ونتائجه، فبوسعه أن يمدنا بوسيلة مهمة للتنبؤ، أو يكون بمثابة عنصر من عناصر صناعة «خيال سياسى» علمى، أو تمهيد لهذا الأمر.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)