أسمدة مصر: «بنادول» للصداع والشلل الرعاش
منذ عام 2014، قررت لجنة بشرية فى وزارة الزراعة اسمها «لجنة الأسمدة»، تقييد صرف السماد الآزوتى المدعم لكبار المزارعين، بحد أقصى 25 فداناً فى الأراضى القديمة، و50 فى الأراضى الصحراوية، ظناً من أعضائها أنهم يحسنون صنعاً إلى الدولة.
والحقيقة الغائبة عن أعضاء اللجنة منذ نحو سبعة أعوام، لم تتجل لخمسة وزراء خلفوا الدكتور عادل البلتاجى الذى صدر قرار اللجنة فى ولايته، وهى أن المزارع الصغير الذى يستحق إعانة فوق الدعم، لا يتحمل خسائر بحجم المزارعين الكبار.
والخلل الأكبر فى قرار لجنة يشارك فى عضويتها نحو 10 من الفلاحين الممثلين للفلاحة، هو أن كبار الزراع يوردون محاصيلهم الاستراتيجية للدولة، خاصة القمح، والقطن، والأرز، بسعر توريد المحاصيل المماثلة للصغار، وهذا ظلم لشريحة، ليس لها ذنب سوى أنها تزرع أكثر، أى أنها توظف عمالة أكثر، وتستهلك كهرباء ومحروقات غير مدعمة بحجم زراعاتها، وتحصل على قروض ثقيلة ليست ضمن مبادرة البنك المركزى، أى بفائدة تقترب من 20٪، وتورِّد حاصلات لمستودعات «التموين» وصوامعها أضعاف ما تقدمه الشريحة المحظية بتصنيف «الصغار».
والحادث فى مجال إنتاج الغذاء فى مصر، نباتى أو حيوانى وداجنى وسمكى، أن الكل خاسر بحساب الناتج عن طرح تكاليف الإنتاج من فاتورة بيع المحصول، لعدة أعوام متتالية، ما يهدد إنتاج الغذاء المصرى، خاصة الشعبى منه، مثل الأرز والبطاطس.
الغريب أن القرار التعسفى استمر نحو 7 أعوام، دون مراجعته من السادة الفلاحين أعضاء «لجنة الأسمدة»، لكن الأمر المضحك، هو تفسير بعض المسئولين لنصه الذى يفيد بالحرمان التام من صرف الأسمدة لمن يملك قيراطاً واحداً فوق الـ25 فداناً فى الوادى والدلتا، أو فوق الـ50 فداناً فى الصحراء، ليثبت المسئول المصرى دائماً أنه لا يعرف العلاج بالتحفيز، وليس بالحرمان.
ما يجدر ذكره فى قصة هذا القرار النكتة، أنه مخالف لقانون الزراعة، الذى يقر بأن كل نبتة أو شجرة خضراء، تستحق سماداً مدعماً، حتى أشجار الترع والمصارف والشوارع، وأن صرف السماد حق لكل زرع، بغض النظر عن نوع الملكية أو الحيازة، بدليل أن الأسمدة تُصرَف للمزارع وليس للمالك، وفقاً للقانون.
ومع إقرار علماء الأراضى فى مركز البحوث الزراعية، بحقيقة غباء نظام صرف الأسمدة الآزوتية للزراعات، لا تزال النظم القديمة حاكمة، وتظل الرؤى الخبيرة «قاصرة» من وجهة نظر المسئولين القائمين على إدارة المنظومة.
والرؤى الخبيرة لم تدعُ منذ نحو 20 عاماً، سوى إلى وضع خريطة جديدة لخصوبة أراضى مصر الزراعية، حيث ما تحتاجه الطينية منها، يتعارض مع احتياجات التربة الرملية، أو الطفلية، كما أن التربة الخفيفة لا تتطلب احتياجات الثقيلة، لكننا سنظل كمن يصرف «البنادول» لمريضى الصداع والشلل الرعاش.
بداهة: طالما ظل المسئول الحكومى شاعراً بأنه وحده من يملك الحكمة، ودونه لا يقف على الحقيقة، ستظل الزراعة المصرية محكومة بقاعدة «محلك سر»، وستظل مصر مضطرة لاستيراد أغذية سنوية بنحو 160 مليار جنيه، مع التنويه الإعلامى اليومى بزراعات تعاقدية جديدة، ومشاريع إنتاج حيوانى وداجنى وسمكى تضاف إلى المنظومة، ومعظمه «ضجيج بلا طحين».