مش كله فن!
الفن رسالة ورصاصة أحياناً وقت اللزوم. جملة الفن للفن كلام فارغ وتوصيفات غير صحيحة.
نشأ المسرح اليونانى لتعريف المواطن فى الممالك القديمة ببطولات جنود، وتخليداً لملاحم قادة ماتوا فى حروب بحر إيجة.
آمن اليونان بأن رسالة المسرح توعية، ودروع مضادة لفقدان الوعى الاجتماعى، لذلك أمر ملوك أثينا بإضافة أجور إضافية للعمال تحفيزاً للوقوف فى الميادين.. حيث تقام المسارح.
فى حروب أثينا وإسبرطة احتشدت السيوف بين الجانبين، فابتكر هؤلاء السهام المشتعلة، ورد الآخرون بالسيوف المعكوفة، ونزلت المسرحيات الملحمية أرض المعركة أيضاً.
شحن المسرح اليونانى الجماهير الغفيرة ضد الأعداء، وعن طريقه عرف الصبية أبطالاً ناضلوا تحت الرايات وماتوا، ولم يكن ليعرف عنهم البسطاء إلا بالمسرح.
فى وقت ما كان الشعر اليونانى قاصراً على الأكابر، لذلك رفض الفلاسفة أن يعلو المسرح هو الآخر على الجماهير، تحفيزاً لأداة من أدوات الوعى الشعبى.
الفن مؤثر، والفنان أكثر تأثيراً بالتشخيص، والدور، ورسالة الدور. لا يتفوق الفنان بالقدرة على جذب الإعلانات، ولا بمدى حرفيته فى انتزاع الضحكات.. بحركات جسمانية، أو لزمات كلامية.. أو إفيهات رخيصة ودمتم.
بعد 67 تعرض الفن المصرى لاضطراب فى تداعيات هزيمة هزت الوجدان الجمعى. انعكست روح 67 على طبيعة الأعمال الفنية، وربما لم تقدم الدولة وقتها ما تستوعب به مجتمعاً يعانى من عبء ثقيل.
وقتها، ظهر مصطلح «الفن للتسلية.. والضحك للضحك»، وتماشى مع هذا نجوم فخرجت أفلام «شنبو فى المصيدة» و«انت اللى قتلت بابايا». صحيح كان على الساحة وجوه لامعة، من أول صلاح أبوسيف، مرورواً بأجيال ظهرت فيما بعد مثل محمد خان وعاطف الطيب، لكن الأزمة كانت غياب من يحلل ويخطط لتوجيه الرسالة الفنية، بينما المجتمع فى أمس الحاجة لتوجيه.
غمى انفتاح السبعينات عيون تجار السينما، وبفم مفتوح تقدر تقول إن سينما السبعينات والثمانينات لم تستطع إبداع عمل يتلاءم مع ملاحم حرب أكتوبر.
طموحات شركات التوزيع وأمراء سينما الهلس، غربلت السينما كما حشرة العتة، بأفلام «شعبان تحت الصفر» و«رمضات فوق البركان».. تمهيداً لظهور الفيديو.. والله يسامحهم نجوم الفيديو.
لم يكن عيباً فى أسماء، لكن كانت أزمة لخبطة مصطلحات، فرض فيها تجار الفن سطوة المتعة والتسلية دفعاً بأن «الناس عاوزة كده».
بعد 2014 كانت وقفة، استعادت فيها الدولة معادلات فن أثبت أن الجمهور فى حاجة لرسالة الفن، وأن للدراما وظيفة وللسينما رسالة، وأن السيناريو درع مضادة لمحاولات التغييب والتضليل.
قدرة الفن على التأثير ومدى احتياج المشاهد للرسالة، ظهر فى أعمال سوف تخلد «الممر، والاختيار، وكلبش»، فهى التى أقعدت المشاهد قبل رمضان على أحر من الجمر انتظاراً (للاختيار2)، وخلال رمضان أقعدته تفاعلاً مع «القاهرة كابول.. وهجمة مرتدة».
صحيح الفن تنوع والإبداع اختلاف، لكن هذا لا يعنى أن ما وصل بنا إلى ما سمى قبل 2011 بـ«حين ميسرة» ممكن نسميه فنون!