موكب المومياوات الملكية أم معركة الهوية الوطنية

فى يوم السبت الموافق الثالث من أبريل الحالى شهدت مصر والعالم حدثاً تاريخياً، وهو «موكب المومياوات الملكية» أو «الموكب الذهبى لنقل المومياوات الملكية»، حيث تم نقل 22 من مومياوات ملوك وملكات مصر القدماء، من المتحف المصرى الكائن فى ميدان التحرير إلى المتحف القومى للحضارة المصرية بمدينة الفسطاط التاريخية فى منطقة مصر القديمة، وذلك فى مشهد مهيب، عكس عراقة تراث مصر وعظمة التاريخ الفرعونى. وتتعلق هذه المومياوات بثمانية عشر ملكاً وأربع ملكات.

والملوك الثمانية عشر هم: سقنن رع، أحمس الأول، تحتمس الأول، تحتمس الثانى، تحتمس الرابع، سيتى الأول، سيتى الثانى، رمسيس الثانى، رمسيس الثالث، رمسيس الرابع، رمسيس الخامس، رمسيس السادس، رمسيس التاسع، أمنحتب الأول، أمنحتب الثانى، أمنحتب الثالث، ومرنبتاح. أما الملكات الأربع، فهن: أحمس نفرتارى، الملكة تى، ميريت آمون، وحتشبسوت.

وقد شهد الموكب عدداً كبيراً من الحركات الاستعراضية بالأزياء الفرعونية، أبهرت العالم أجمع، وكان أشبه بمزيج من سيمفونية موسيقية رائعة ومشاهد سينمائية بديعة تم إعدادها وتصويرها بدقة كبيرة.

وكم كان دالاً ومعبراً أن يقف الرئيس عبدالفتاح السيسى وقفة عسكرية فى استقبال أجداده الملوك بفخر واعتزاز بحضارة عريقة سبقت حضارات الأرض كافة. وقد شعرت شخصياً وأنا أتابع هذا المشهد وكأن الرئيس يستقبل ملوكاً أحياءً وليس مجرد مومياوات.

وكم كان رائعاً أن يضم موكب المومياوات أربع ملكات، فى دليل دامغ على المكانة المتميزة التى حظيت بها المرأة فى الحضارة الفرعونية. وكم كان لافتاً ظهور بعض الأشخاص فى الموكب حاملين أطباقاً بلورية مضيئة، ترمز إلى قرص الشمس رع، الذى يشع نوره لينير الظلام، فى إشارة إلى أن الحضارة المصرية تنير العالم بعبقرية المصريين القدماء.

وكم كان جميلاً أن يتفاعل المصريون مع الحدث بكل فخر واعتزاز وإجلال لتاريخ الأجداد، حيث تصدر هاشتاج (مصر تبهر العالم) تريند «تويتر» فى مصر، بعد ساعات من انتهاء الحفل، ولقى الهاشتاج تفاعلاً كبيراً وفخراً بمشاهد الموكب الذى جسد الحضارة المصرية الفرعونية وفتح الباب لإعادة صياغة الانتماء الوطنى بمفهوم جديد.

وذهب البعض إلى حد القول إن «الموكب الملكى هو الإعلان الفعلى للجمهورية الثانية، حيث قررت مصر أن تسكن الحداثة بأصالتها، وأن تكون فى زمن الوهن، رمزاً للقوة والإرادة والعزيمة التى لا تعرف مستحيلاً».

وفى مقابل ذلك، ثمة أصوات نشاز صدرت عن جماعات التطرف والإرهاب التى لا تترك فرصة دون محاولة إهالة التراب على كل ما هو جميل وبديع يحدث على أرض مصر، سواء كان ذلك فى الماضى أو فى الحاضر.

وراح هؤلاء يتحدثون عن الحدث باعتباره تأكيداً على الهوية الفرعونية فى مقابل الهوية العربية الإسلامية، مع ترديد حديثهم البغيض عن أن الفراعنة كفار، فى محاولة رخيصة وممقوتة لهدم اعتزاز المصرى بتاريخ أجداده.

وإذا كان الإسلام هو دين الوسطية، وإذا كان الله يصف المسلمين بقوله «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، فإن هؤلاء المتطرفين ينطلقون دائماً من منهج تفكير واحد لا يتغير ولا يتبدل، وهو «ثقافة الأبيض والأسود» أو ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح (Splitting).

ولهؤلاء نقول إن الهوية المصرية هوية مركبة، وإن الاعتزاز بالهوية الفرعونية لا يتناقض ولا يتنافر مع اعتزازنا بالهوية العربية الإسلامية