الحل الجذرى لمشكلة الغارمات والغارمين!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

أكثر الأرقام التى أرهقتنا فى تتبعها وحصرها هى أرقام الغارمات والغارمين المفرج عنهم.. نظراً لتغيرها كل حين.. وهو ما يبرز حجم الظاهرة.. التى نحترم ونقدر الاشتباك معها للإفراج عن عاجزات أو عاجزين عن سداد ديون تراكمت بسبب عدم القدرة على توفير الأموال اللازمة لأقساطها.. وللأزمة أبعاد عديدة -لمن لا يعرف- إذ نقف أمام أسر تعيش حياة بسيطة.. فقيرة أو مستورة لكنها فى كل الأحوال تريد أن تحيا حياة طبيعية.. تزوج أبناءها أو بناتها كما يفعل المقتدرون.. ليس بنفس المستوى ولا حتى بما يقترب منه، لكن يريدون الفرحة بأى طريقة، حتى إن مجمل ما تصل إليه إيصالات أو شيكات يوقعون عليها بفوائدها أقل من ثمن غرفة واحدة عند الميسورين!

طرف آخر من المعادلة هو البائع الذى يتعامل بالبيع بالقسط فى قرى ومدن أغلب أهلها غير قادرين على الشراء الكاش.. ويتعامل بعد فتاوى دينية أو دونها لكنه يؤمن أن هذه الطريقة حلال وهى الأنسب لظروف الناس ومن دونها سيخسر حتماً ولن يبيع ويؤمن بنظرية «الحصاد الشامل» بمعنى أن بضاعته توزع على عشرات أو مئات المتعاملين وهو ما يوفر له فى النهاية سيولة جيدة هى حاصل أقساط بسيطة لكنه يضمن استمرار تجارته وسداد أقساطه هو لتاجر أكبر مع هامش ربح كبير أو مناسب وبالتالى فهى عملية ترضى كل الأطراف!

نسبة من هؤلاء المتعاملين تعجز عن سداد الأقساط التى تمت لشراء تجهيزات الزفاف حتى إن فى أغلب الحالات ينجب العروسان والأقساط لم تنته بعد!

يلجأ التاجر إلى القضاء ليس فقط للحصول على مستحقاته وإنما أيضاً لردع باقى المتعاملين ووصف مصيرهم إن تقاعسوا عن السداد!

النزاع يكون مدنياً لا يحكمه أمام القضاء إلا الأوراق، وبالتالى فأغلب القضايا طالت أو قصرت تنتهى بالحكم على المتعاملين ويحكم بالحبس فيها.. والقاضى يحكم بما أمامه من نصوص تشريعية يكون هدفه تطبيقها مع مراعاة حق الشاكى الذى يكون مجنياً عليه فى هذه الحالة ومن واجب القانون والقضاء إنصافه دون الالتفات إلى أسباب عدم السداد وهو الفقر وعدم القدرة على استكمال الأقساط!

يذهب هؤلاء إلى السجن لقضاء العقوبة ولا حل إلا بسداد الدين.. هنا يقول البعض إن تطلعات هؤلاء هى السبب وعليهم أن يعيشوا بما يتناسب مع ظروفهم.. وهذا نظرياً صحيح.. لكن ضعف الأبوين أمام واجبهما مع أولادهما هو السبب.. خصوصاً أنه لفترة طويلة عاشتها مصر طوال أربعين عاماً سبقت ٢٠١٤ كانت القاعدة أن من يسرقون الملايين لا يحاسبون وأن من يسرقون الملاليم يسجنون حتى لو لم تكن الملاليم ليست من أموال الشعب!

أسباب كثيرة وراء رغبة الكثيرين أن يعيشوا بشكل حتى شبه لائق.. ومن هنا تعاطفت القلوب مع هؤلاء.. هناك كثيرون عبر سنوات طويلة سددوا سراً وجهراً لهؤلاء حتى فعلها ضباط قسم شرطة عابدين قبل عدة سنوات، ثم كانت المبادرة الرئاسية لسجون بلا غارمات أو غارمين، من خلال جهود معتبرة ساهمت فيها الدولة مع جمعيات خيرية ومؤسسات أهلية.. وهذا يعنى باختصار أن الدولة بالتعاون مع هذه الجمعيات هى من تكفلت بتجهيز أبناء الغارمات والغارمين!

الآن.. وبعد أن تكفل المجتمع بفقرائه، وهذا شىء محترم وجيد وصورة رائعة للعدل الاجتماعى.. آن الأوان لوقف الظاهرة من جذورها حتى لا يعتمد البعض على هذا التسامح المحمود والتمادى فى التعامل التجارى بهذه الصيغة.. خصوصاً أننا نحتاج إلى تطور كبير فى وعى الناس وتقاليدهم تنهى التقليد والغيرة الاجتماعية التى هى سبب كل ذلك!

الآن يمكن اقتراح تقسيم المعاملة التجارية إلى عدة خطوات.. أولها أنه لا تتم معاملات التقسيط لهذا النوع إلا عبر إحدى الجمعيات الخيرية بالبلدة أو القرية أو الحى التابع له المشترى.. وتكون الجمعية هى الضامن لعملية البيع والشراء.

ثانيها: لا تقبل الجمعية طلبات لذلك إلا ممن ينطبق عليهم الحد الأدنى للأجور لإجمالى الدخل حتى تتسع المعادلة لغير الموظفين بالجهاز الإدارى للدولة أو القطاع الخاص المؤمن على موظفيه.

ثالثها: أن تقدم الأسرة المتقدمة لذلك ما يثبت أن الشراء من أجل تجهيز ابنة أو ابن لها، لقطع الطريق لتجار الباطن أو ممن يعيدون بيع مشتريات بسعر أقل لتوفير سيولة.

رابعها: يحق للجمعية فى هذه الحالة ضبط قيمة المشتريات عند حد معين يمنع المبالغة فى الشراء بما لا لزوم له وما لا ينطبق مع إمكانيات الأسرة.

خامسها: عند العجز عن السداد تتولاه الجمعية نيابة عن الأسرة وتوفر الجمعية للأسرة وقتاً أطول للسداد من خلال إعادة توزيع المبالغ على فترات أطول.

سادسها: عند العجز أو الامتناع عن السداد تتولى الجمعية بحث الأمر وتتأكد من الأسباب الحقيقة لذلك، ويكون من حقها اتخاذ الإجراءات اللازمة أو عدم اتخاذها.. خصوصاً أن أغلب الجمعيات لديها بند لذلك.. الذى يحق دفعه من أموال الزكاة وليس الضرائب.. حيث للغارمين نصيب ثابت منها. ولذا فالأزهر الشريف أولى من المالية فى الأمر!

هذا إن تم يحتاج لقانون.. وإن تم وفر على قضائنا ومحاكمنا وسجوننا ودولتنا وأهلنا الكثير والكثير!

واللهم بلغت..