فى يوم الطبيب..!

فى أوائل عام ١٨٢٧.. وتحديداً فى الثامن عشر من شهر مارس.. افتتح محمد على أول مدرسة للطب على أرض مصر فى منطقة أبوزعبل برئاسة الطبيب الفرنسى أنطوان كلوت.. لتصبح أول مدرسة نظامية للطب فى الوطن العربى وأفريقيا بأكملها.. وتصبح النواة لأول كلية للطب بعد ذلك التاريخ بعشرة أعوام، بعد انتقالها لقصر أحمد العينى باشا فى منطقة المنيل.. لتحتفظ بعد ذلك بالاسم الذى حملته حتى لحظة كتابة هذه السطور وعبر قرنين من الزمان.. كلية طب قصر العينى..!

تاريخ افتتاح المدرسة الأولى للطب تم اعتباره يوماً للطبيب المصرى.. وتحتفل النقابة العامة للأطباء سنوياً بهذا اليوم كل عام.. ولكن هذا العام أعتقد أن الأمر يختلف كثيراً..!

الاحتفال هذا العام يأتى بعد عام قاسٍ على الأطباء فى مختلف التخصصات وفى كل المواقع.. وبعد حرب ضروس انخرط فيها الطبيب المصرى -وما زال- كنظيره فى كل دول العالم ضد فيروس لعين..!

الاحتفال يأتى فى ظل أصعب أزمة واجهت المهنة كلها فى العصر الحديث.. ربما منذ إنشاء فكرة الدراسة النظامية للطب فى العالم..

أزمة أثبتت للجميع أن الطبيب يحمل على عاتقه الكثير والكثير.. وأنه يؤدى رسالته مهما كانت صعوبة الظروف وقسوة التحديات..

أزمة أسقطت الكثيرين من صفوف الأطباء والتمريض وما زالت تحصد فى طريقها غير مبالية بكل ما يحدث فى العالم من فزع ودمار..!

الطريف أن الأزمة كانت كاشفة للكثير مما كان خافياً على الجميع مما يعانى منه الأطباء والقطاع الطبى كله.. وأظهرت بسالة هذا الفريق الذى أقسم على أداء واجبه فى جميع الظروف وفى كل الأحوال.. كما أنها كانت دافعاً لأن يتم تكريمهم فى كل مكان فى العالم.. المطاعم الإنجليزية أصبحت تقدم وجبات مجانية للأطباء فى المستشفيات.. شركات النقل الفردى والجماعى أصبحت تمنحهم رحلات مجانية فى ألمانيا ومعظم دول أوروبا.. وفى مصر.. لم يخل خطاب للرئيس من شكر للأطقم الطبية على ما يفعلونه فى مواجهة الأزمة.. بل وقرر مجلس الوزراء إطلاق أسماء شهداء الأطباء على الشوارع والميادين..!

لقد كانت أزمة «كوفيد» سبباً ليدرك العالم كله قيمة ما تقدمه الأطقم الطبية من تضحيات فى مواجهة المرض.. أى مرض وكل مرض..!

كانت سبباً ليدرك العالم كله أن الاستثمار فى القطاع الطبى ليس رفاهية بأى حال من الأحوال.. بل هو خيار استراتيجى لا غنى عنه.. وأن المنظومة الطبية تحتاج إلى الكثير من الدعم على كل المستويات..!

لعل احتفال هذا العام حمل لجموع الأطباء وعوداً حكومية يمكن تثمينها كتسهيلات سكنية وتقديرات مادية ومعنوية متزايدة.. ولكن يظل هناك الكثير الذى ننتظره فى الأعوام القادمة ليحتل الطبيب المصرى موقعه الذى يستحقه فى العالم كله..!

وأخيراً.. وفى يوم الطبيب المصرى، أود الاعتراف بأننى فخور لأننى طبيب..

فخور بأننى سبب من أسباب الله لتخفيف آلام الناس.. أننى جزء من تلك المنظومة التى عاهدت الله على مواجهة المرض بلا خوف أو جزع..!

فخور بكل زملائى من الأطقم الطبية على أرض مصر وفى العالم كله.. وأدعو الله أن يأتى يوم الطبيب القادم وقد انتصرنا فى هذه المعركة العصيبة.. وأن يرحم من سقط ويسقط من الشهداء كل يوم..!