إدوارد سعيد.. الغائب الحاضر

كتب: أحمد عبدالحكيم

إدوارد سعيد.. الغائب الحاضر

إدوارد سعيد.. الغائب الحاضر

«أنا فى بلادى فى الأرض حيث شهدت عيناى النور، بيتى على بُعد خطوتين، لكنه ليس لى، أسكن فى فندق كالغريب».. كلمات استدعاها مواطن قبل أن يكون مفكرا أو منظرا، لوطن لا يزال يعانى ويلات الاستيطان والتهجير القسرى والاحتلال الإسرائيلى. إنه إدوارد وديع سعيد، المُنظر الأدبى الفلسطينى والأستاذ الجامعى للغة الإنجليزية والأدب المقارن فى جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، الذى وصفه الكاتب الإنجليزى الشهير «روبرت فيسك» بأنه «الصوت الأكثر فاعلية للدفاع عن القضية الفلسطينية على الإطلاق». تحل ذكرى وفاته التاسعة وسط سعى قادة بلاده الحثيث لانتزاع أدنى حقوقهم فى الوجود ولو كان شفويا، ألا وهو «الاعتراف الأممى» فى أروقة الأمم المتحدة. وُلد سعيد فى 1 نوفمبر عام 1935 فى القدس لعائلة مسيحية ثم رحل إلى مصر بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وهناك عاش صباه وتلقى تعليمه فى كلية فيكتوريا بالإسكندرية، ليسافر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة للحصول على البكالوريوس من جامعة برنستون عام 1957 ثم الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1964، واستقر بعدها أستاذا للأدب المقارن طيلة الأربعين عاما الأخيرة فى حياته. استطاع سعيد تأسيس رؤية جديدة للقضية الفلسطينية، عمد من خلالها إلى زيادة الوعى بالقضية على المستوى العالمى، فى رؤية اعتبرها الكثيرون أهم إضافاته فى عالم الفكر الإنسانى، فقد استطاع أن يعيد تكييف القضية لدى قطاع عريض من مثقفى العالم ويغير وعيهم لها من مجرد صراع سياسى بمفهومه الدارج إلى قضية إنسانية بالأساس، الدفاع عنها واجب إنسانى؛ لأنه دفاع عن قيم أخلاقية كالحق والعدل والحرية فى الحياة. نبع هذا من خلال معايشة القضية الفلسطينية وتجذرها فى أعماقه واختلاطها بفكره ووجدانه طيلة حياته ليصبح أحد أهم رموزها على الرغم من أنه لم يعش من عمره الذى ناهز 68 عاما فى فلسطين إلا 12 عاما فقط، فكان مؤيدا لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضوا فعالا فى المجلس الوطنى الفلسطينى طيلة 14 عاما قبل أن ينقلب إلى صفوف المعارضة احتجاجا على الطريقة التى أدارت بها المنظمة اتفاقات التسوية السلمية مع إسرائيل منذ عام 1991 وأصبح من أهم معارضى سياسات الرئيس الراحل ياسر عرفات منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. تعددت مظاهر إبداع المُنظر الفلسطينى بين الفلسفة والنقد الأدبى والتأليف الموسيقى والتحليل السياسى، غير أنه كان فى كل ذلك متفردا ينطلق من القيم الإنسانية التى تلقى قبولا لدى الناس مهما اختلفت ديانتهم وتنوعت ثقافتهم، ولهذا كان كتاباه «الاستشراق» الذى صدر عام 1978 و«المسألة الفلسطينية» عام 1979 أهم ما كتب فى هذا المجال فى القرن العشرين. ألَّف سعيد عشرين كتابا تُرجمت لأكثر من 26 لغة، ثم تفرغ بعد ذلك لكتابة مذكراته باسم «خارج المكان» بعد علمه بمرضه بسرطان الدم إلى أن توفى 25 سبتمبر 2003.